
أ.د #أمجد_الفاهوم
حين نتحدث عن نماذج قادرة على إلهام الشابات في زمن التحديات، تقف السيدة صبحية المعاني مثالًا حيًا على أن الجمع بين العلم والعمل العام ممكن، وأن تأثير المرأة يمكن أن يمتد من قاعة الصف إلى مقاعد التشريع، ومن مبادرات المجتمع المحلي إلى قيادة مؤسسات اقتصادية فاعلة. فقد شغلت المعاني عضوية مجلس الأعيان في الأردن بين عامي 1997 و2005، وهو موقع يعكس ثقة الدولة والمجتمع بقدرتها على تمثيل قضايا الناس وصون المصلحة العامة. كما عُرفت بخبرتها الإدارية والاقتصادية، وبحضورها في مؤسسات الأسرة والمجتمع المدني، وهذه أدوار لا تُصنع صدفة، بل تُبنى على مسار طويل من التعلم والانضباط والالتزام. وُلدت صبحية المعاني في حيفا عام 1931، وتخرجت من دار المعلمات في القدس بشهادة الدبلوم في التربية، لتبدأ مسيرتها في تدريس البنات مطلع خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تنتقل إلى العمل الإداري والاقتصادي. هذا المسار المبكر بين التعليم والإدارة يقدم درسًا مهمًا مفاده أن الخبرة الصفية والمعرفة العملية تصنع شخصية قيادية قادرة على اتخاذ القرار. وقد جسّد سجلها المهني اللاحق هذا المعنى بوضوح، سواء في إدارتها للشركة العربية للمستحضرات الطبية والزراعية، أو من خلال عضويتها في مجلس أمناء المجلس الوطني لشؤون الأسرة، وهي محطات تؤكد أن المرأة قادرة على المزج بين حس المسؤولية الاجتماعية وكفاءة الإدارة الاقتصادية متى توفرت لها الفرصة والإرادة.
لم يقتصر حضورها على المناصب الرسمية، إذ برزت كذلك في فضاء العمل الأهلي والمهني؛ وتذكرها الوثائق الأممية بصفتها نائبة لرئيس نادي المهنيات والسيدات في عمّان مطلع التسعينيات، وهو مؤشر مبكر على اهتمامها ببناء شبكات دعم وتمكين للنساء وفتح مسارات عملية أمامهن. فالمجتمع القادر على تنظيم جهوده المدنية يختصر المسافات نحو التنمية ويضاعف أثر النساء القياديات في محيطهن. وعلى المستوى الفكري والقيمي، قدمت صبحية المعاني خطابًا عامًا يدعو للانتماء والمسؤولية ويقاوم السلبية السياسية والاجتماعية. ففي أحد الحوارات الصحفية شددت على أن غياب الانتماء للوطن هو غياب للانتماء للذات، في إشارة إلى أن المواطنة الفاعلة تبدأ من وعي الفرد بأثره، وأن الإصلاح لا يتحقق من دون شراكة عامة واعية. هذه الرسالة ما تزال صالحة لجيل اليوم من رائدات الأعمال اللواتي يسعين إلى ربط ربح المشروع بخدمة المجتمع.
إن قراءة سيرة صبحية المعاني تكشف عن دروس عملية تلهم الشابات الأردنيات الراغبات في خوض غمار ريادة الأعمال؛ فالتعليم المبكر والخبرة المتدرجة يصنعان ثقة بالنفس تحمي صاحبتها في مجالات التنافس، والجمع بين الاقتصاد والمجتمع يوسع دائرة الأثر ليحوّل المشروع من سلعة إلى قيمة مضافة للأسرة والحي والمدينة. كما أن الحضور في الحوار العام يمنح رائدة الأعمال صوتًا مسموعًا يؤثر في القوانين وفي بيئة الأعمال. وإذا كانت قصص النساء كثيرًا ما تُروى بصيغة الاستثناء، فإن تجربة صبحية المعاني تبرهن أن النجاح النسائي قابل للتكرار متى توفرت منظومة مساندة تبدأ من الجامعة والأسرة، ولا تنتهي عند السياسات الحكومية الداعمة لتسجيل الشركات والتمويل الميسر وحاضنات الأعمال. كما أن إبراز النماذج الإيجابية في الإعلام يعزز الثقة ويمنح الشابات صورًا قريبة وملموسة للاقتداء.
وفي النهاية تبقى الرسالة نداءً مضيئًا لكل فتاة تحمل فكرة أو موهبة أو شغفًا؛ فحين يتحول التعلم إلى خبرة، والخبرة إلى مبادرة، والمبادرة إلى مسؤولية عامة، تصبح القصة الشخصية أوسع من حدود الفرد لتغدو طاقةً تصنع فرقًا في حياة الآخرين. وهكذا تتحول السيرة إلى إلهام، والاسم إلى رمز، والخطوة الصغيرة إلى أثر باقٍ يفتح الدروب أمام أجيال جديدة من الفتيات المؤمنات بأن الإرادة هي سر النجاح، وأن الوطن يكبر بجهودهن كما يكبرن به.
