القادم أخطر ! / م . عبدالكريم ابو زنيمة

القادم أخطر !

لقد بات جلياً بأنه لا يوجد لدى الحكومات المتعاقبة أية رؤى لادارة الازمات المالية سوى الانقضاض على جيب المواطن ،فمنذ أكثر من ثلاثة عقود والعجز المالي تتم تغطيته بفرض المزيد من الضرائب على المواطنين دون أن تكلف الحكومات نفسها عناء وقف التسيب المالي والهدر غير المبرر لاموال الخزينة ، أي نعم أنَّ هناك الكثير من الدول التي عانت من أزمات مالية ولجأت الى جيوب مواطنيها لكنها في الوقت نفسه إتخذت اجراءات مالية صارمة للحد من هدر المال العام ووقف كافة النفقات المالية غير الموجهة للتنمية وانعاش الاقتصاد ومن هذه الإجراءات إغلاق بعض السفارات ودمج المؤسسات والوزارت والغاء بعضها ، بالإضافة إلى أنَّها حددت استراتيجيات واضحة للخروج من ازماتها بالاستعانة بمن هم من أهل الخبرة والاختصاص الوطنيين غير المستوردين !
لقد نبه الكثيرون من ذوي الاختصاص والمعرفة وكتب وقيل الكثير حتى وصل الامر ببعضهم الى التوسل لجلالة الملك لوقف المسار المالي والاقتصادي الذي نظّر وبشّر وهلل له أؤلئك المارقون على جغرافيا الوطن في حينه في تسعينيات القرن الماضي حيث بيعت كل مقدرات الوطن الاستراتيجية والانتاجية بأبخس الاثمان بما سمي ببرنامج الخصخصة وكان واضحاً في حينه بأن هذا البرنامج سيحرم الخزينة من كل مواردها وسيهدم منظومة الدولة واركانها ولكن لم تتخذ اية اجراءات وأستمر هذا الانهيار الاقتصادي حتى وصل الى ما وصل اليه من مؤشرات خطيرة تنذر بأن القادم أخطر.
لقد تضخمت أموال وأرصدة أولئك المارقين وعصاباتهم في البنوك الاجنبية ومنهم من وطأ تراب هذا الوطن وهو يعتاش على الكمبيالات البنكية وبالمقابل فأن فجوة الولاء والمحبة الشعبية للنظام السياسي تكبر وتزداد يوماً بعد يوم وهناك سخط شعبي عام اصبح ظاهراً للعيان نتيجة التسلط الحكومي على لقمة خبز المواطن .
كان على الحكومات المتعاقبة أن تبدأ الاصلاح على نفسها قبل أن تتغول على عيش المواطن البسيط باغلاق كل المؤسسات التي استحدثت لابناء الذوات وهي التي لم تقدم شيئاً للوطن وعلى سبيل المثال ماذا قدمت مؤسسة الاستثمار ! وأين هو الاستثمار أصلاً ! وهل نحن بحاجة لكل سفاراتنا في الخارج في ظل هذه الازمة الخانقة ، وأين هم من نهبوا البلاد !لماذا لم يتم وقف مواكب السيارات الحكومية التي تصول وتجول ! لماذا لا تدمج الوزارات والمؤسسات المتشابهة طالما انه ليس هناك نتائج تذكر !لماذا لا يُسرح المستشارين والخبراء المتقاعدين الذين يعاد تعينهم للتنفيع برواتب خيالية ! لماذا…لماذا…الخ.
كم كان مصيباً الجنرال ديغول عندما امر بمنع كل الاغاني والاشعار إبان الحرب العالمية الثانية وطلب من الشعب الفرنسي أفعالاً لا أقوالاً ولا أهازيج ،فكم غنت ورقصت بعض الشعوب لقادتها وفي أول نزال تبخروا ،ما هو شكل الولاء والوفاء الذي يُرتجى من شعب لا يجد قوت يومه أو ثمن علاج لفلذة كبده…للاسف فالقادم هو الاخطر أو هو الخطر بعينه والذي لا يتمناه أحد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى