حل الدولتين بين اليمين واليسارالى الخلف در
د.رياض ياسين
زخم الحديث عن حل الدولتين منذ تولي اوباما زمام حكم البيت الابيض منذ بداية العام 2009 لم يأت من فراغ فهناك تطورات هائلة شهدتها المنطقة مع مطلع الالفية الثالثة على صعيد مستقبل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ومن ورائه الصراع العربي الاسرائيلي،وقد طرحت فكرة الدولتين زمن كلنتون من خلال مسودة اتفاقية كامب ديفيد الثانية في واشنطن بين باراك والرئيس عرفات سنة 2000،ثم بعدها سنة 2003 ما جرى في جنيف بين يوسي بيلين وياسر عبد ربه فيما عرف بوثيقة جنيف.
يمكن القول بان المشروع الاول كان يمثل وجهة نظر السلطة الفلسطينية والتيارات الوسطية المعتدلة داخل المجتمع الفلسطيني المائلة نحو البراغماتية،في حين كان اليمين الاسرائيلي غير راض عن تقديم تنازلات عن أرض اسرائيل، ويمكن القول بأن كلا المشروعين يمثل عمليا رؤية اليسار الاسرائيلي وبعض القوى الليبرالية البراغماتية التي تراجعت بعد انحسار حزب العمل شعبيا ورسميا في اسرائيل لصالح اليمين،والصورة ما زالت اقرب الى اليمين هناك خاصة بعد العدوان على غزة وبعد استلام نتنياهو الحكم.
قام المشروعان على أساس ما سمي بحل الدولتين للعلاقة مع الفلسطينيين،وإذا كانت اسرائيل قد حققت كسبا تاريخيا باعتراف الفلسطينيين بدولتها في المشروعين، غير ان الفلسطينيين انتزعوا من حيث المبدا اعتراف اسرائيل بحقهم في قيام دولة لهم. لكن الاشكالية التي لم يدركها اليساريون ايضا أن شكل الدولة على الجانب الفلسطيني لايمكن أن يكون طبيعيا وأنا هنا لااتحدث عن بنية النظام السياسي وشكل الحكومة،بقدر ما اتحدث عن الظروف غير الطبيعية لنشأة دولة فلسطينية قد يربط بين اماكنها الجغرافية نفق يمتد بين الضفة وغزة ويمر بأرض اسرائيل، والاخطر من ذلك كله أن حدود هذه الدولة غير واضح ،صحيح ان المشروعين نصا على حق الفلسطينيين في اقامة دولة مسالمة،لكن هذه الدولة هي عبارة عن تسمية دون جوهر سيادة أو حدود أو حق في التحالفات أوبناء اقتصاد مستقل،ففكرة قيام دولة في ظروف الاستيطان والجدار أمر غير متاح مطلقا الا إذا حدثت معجزة فاقت كل التوقعات.
أما الطرح المتعلق بمساحة الدولة،فاليسار الاسرائيلي مصر على ان الفلسطينيين قد منحوا بموجب كامب ديفيد وجنيف ما مساحته 97% من ارضهم،وهنا مهم التذكير بأن مساحة اراضي الضفة الغربية وغزة من مساحة فلسطين التاريخية تساوي 22% ويستثنى منها مساحة القدس المقرة حسب حدود سنة 1967،ولكن الاسرائيليين مع وجود الكثافة الاستيطانية قد افترضوا ان اراضي المستوطنات في الضفة الغربية وغزة هي ليست اراضي فلسطينية،لذلك تم اقتراح فكرة تبادل الاراضي بين الفلسطينيين والاسرائيليين،فمقابل الاراضي المقتطعة للمستوطنات من الضفة الغربية هناك اراض يفترض اعطاؤها للفلسطينيين في النقب،ومع هذه القسمة الضيزى،فإنه لن يبق لمساحة الدولة المزمعة على الجانب الفلسطيني أكثر من 10
% مقابل قيام ماسمي بدولة يهودية على حدود 90% من اراضي فلسطين التاريخية مع سيطرة اسرائيلية على الحدود البرية والبحرية والجوية،كما انه لم يشترط ان تكون دولة اسرائيل منزوعة السلاح،كما هو الحال بالنسبة لدولة فلسطين المقترحة.
اما عاصمة الدولتين،فهذا موضوع اكثر خطورة وحساسية،لأنه يعني أهم قضية في الصراع ايدولوجيا وسياسيا وسياديا بالنسبة للطرفين، ففي الوقت الذي يطالب فيه الاسرائيليون بالقدس الموحدة بشطريها الغربي والشرقي،يطالب الفلسطينيون بالقدس فقط في الشطر الشرقي المحتل عام 1967،فلماذا لايطالب الفلسطينيون بالمدينة الموحدة عاصمة لهم ايضا لطالما هي مسألة خطاب أكثر منها مسالة حلول جدية،وبإمكان الفلسطينيين إقناع العالم بأن القدس تهمهم اكثر من الاسرائيليين،إذ لطالما اتخذ الاسرائيليون عاصمة لهم في تل ابيب،ثم ان القدس باعتراف القانون الدولي هي ارض محتلة وليست متنازع عليها حتى يتم التفاوض بشانها فبالعودة الى المراجع الدولية ما زالت القدس تعتبر من الاراضي المحتلة بموجب القرار 181 وكل قر ارات الامم المتحدة بما فيها الجمعية العامة ومجلس الامن واليونسكو التي تأسست على هذا القرار.
الطروحات التي اعلنت في كامب ديفيد الثانية وجنيف للقدس متقاربة الى حد كبير،فالاحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية،والاحياء اليهودية تحت السيادة الاسرائيلية،مع اقتراح رئيس الكنيست ابراهام بورغ في ان يدير حوض الحرم القدسي هيئة مشتركة من اتباع الاديان الثلاثة،ويكون خارج النطاق الاقليمي. أما مكان العاصمة ،فكل طرف يتخذ من القدس عاصمة له في المناطق التي يسيطر عليها في القدس،وكل منهما يعترف بها عاصمة للطرف الاخر في منطقته. لكن عودة الى أحزمة الاستيطان والضم الاسرائيلي لأراضي القدس العربية بعد عام 1967 يتبين ان العاصمة الفلسطينية في القدس ستكون رمزية فقط هذا ناهيك عن انها ستتركز على احياء خارج شرق القدس.
إذا كانت هذه طروحات اليسارالاسرائيلي الفلسطيني على تواضعها بالنسبة لطموح جمهور كبير من الفلسطينيين ورفضها من قبل جمهور كبير من الاسرائيليين حسب استطلاعات الرأي الاخيرة، قد أفلت كما أفل اليساران الفلسطيني والاسرائيلي تماما، فماذا عن طروحات اليمين، فنحن الآن نشهد حقبة التطرف السياسي والايدولوجي على الجانبين،فاليمين الاسرائيلي يرى أن الدولة الفلسطينية المقترحة ستكون خارج حدود اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة،والقدس الكبرى الموحدة بشطريها هي عاصمة اسرائيل الابدية،وهذا سيجعل الفلسطينيين يميلون الى تيارات يمينية تتاهب لتفرض اجندتها على الاراضي الفلسطينية. اتساءل من جهة أبعد ما الذي سيفعله ترامب وأدارته القريبة من اليمين بالنسبة لقيام دولة فلسطينية مجهولة المكان والزمان والايدولوجيا،هذه قوقعة سياسية ستجعلنا نستعيذ من الطروحات القادمة التي على مايبدو ستكون قاتمة.
Rhyasen@hotmail.com