حلم ليلة شتاء غير قارص / يوسف غيشان

حلم ليلة شتاء غير قارص

في ليلة شبه مقمرة، ويعد أن انهمكتُ لساعتين ونيف في تعاطي نفس(بفتح النون والفاء) أرجيله بحريني – بصفتي تركت الدخان المفروم مع الجرادين ، انتابني خدر لذيذ ونعاس لكأني لحست ( علبة آجو ) حجم عائلي ، وفيما أنا أغوص في أرخبيل المسرات الفاترة بين اوقيانوس الصحو ومملكة الظلمات ، رأيت فيما رأيت ان جهود الحكومة تتكاتف مع جهود مجلس الأمة بشقيه من أجل قطع دابر الفساد والإفساد والربح غير المشروع .
لأجل هذا فقد تم تشكيل لجنة عليا ذات صلاحيات كبيرة تضم النواب والأعيان والحكومة والسلطة التنفيذية والقضائية ومندوبين عن النقابات المهنية والعمالية ، وممثلين عن مخاتير المحافظات ومندوبين عن أصحاب المصانع ومستودعات الأدوية والتجار .
كان الاحتفال كبيراً ؛ إذ جابت المظاهرات المؤيدة جميع المدن وقرى وبوادي المملكة ، وعقدت الندوات والمحاضرات ، وتليت الكلمات الصباحية في الإذاعات المدرسية ، وطُبعت البوسترات ، وجرى يانصيب وطني خيري لدعم اللجنة حتى لا تمد يدها إلى أحد ، وانهمك أعضاء لجنة ” الشعب ” كما سُميت ، بالتجوال في القرى والبوادي الأردنية شارحين وجهات نظرهم ومناهجهم في الكشف عن الفساد والإفساد، خصوصاً في قضايا الغداء والدواء . وعاهد أعضاء وعضوات اللجنة الجماهير على كشف الحقائق ومحاسبة المسئولين عن سرقة الشعب والمال العام ، ابتداء من بائع السردين في دُكان صغير بفارق ( تعريفه ) من السعر الأصلي ، وحتى الحيتان الكبار في كل مكان .
وبما أننا شعب معطاء وكريم ، فقد أولمت القرى والعشائر والعائلات الأردنية في كل مكان حلت فيه اللجنة ، حتى تم القضاء نهائياً على (دابر ) الثروة الحيوانية ، فتم استيراد نصف مليون رأس من الغنم والماعز لإنجاح الاحتفالات ، مما أدى إلى وفاة ستة من أعضاء اللجنة بأمراض قلبية نتيجة الإجهاد والتخمة وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم .
هذا ما جعل الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية يجتمعون مجدداً وتعلن الحكومة عن انتخابات تكميلية لإحلال بُدلاء عن الشهداء الستة الذين سقطوا في ميدان الحق والواجب.
وقد شعرت الجات المسئولة بخطورة استمرار تلك ” الهيزعيات ” ، و قررت إيقاف مظاهر الاحتفال، والشروع العملي في عمليات للوصول إلى النتائج النهائية ومحاسبة الفاسدين والمفسدين والعكاريت الذين يتاجرون بقوت الشعب ودوائه.
هكذا اشترت اللجنة من ريع أموال اليانصيب الوطني الذي أصبح نصف يومي ، عمارة ضخمة مع ساحة هائلة ، حتى تقوم اللجنة بأعمالها بكل راحة واستقلالية .

ٍولان أعضاء اللجنة واللجان المنبثقة عنها كانوا لا ينامون الليل ولا النهار انهماكاً في العمل الدؤوب المتواصل ، ( والبحبشة ) في الملفات وإجراء التحقيقات ؛ فقد قررت الأمانة العامة للجنة الشعب شراء العمارات المجاورة وتحويلها إلى إسكان لعائلات الأعضاء ، من أجل توفير الراحة والطمأنينة لأعضاء اللجنة وإعادتهم إلى الأجواء العائلية حتى لا ينفصلون عن واقع الشعب وهمومه وطموحاته .

وحتى لا يتأثر أعضاء لجنة الشعب بوسائل الإعلام ؛ فقد تم ترخيص عدة صحف وقمر اصطناعي (عرب طز ا) ومحطة راديو عادية ( F.M ) ومحطة تلفزيون، وجميعها تبث فقط داخل أملاك اللجنة . ولغايات تكريس استقلالية اللجنة ؛ فقد تم تشكيل شركة خاصة ومركز أمن ومستشفى وعيادات صحية ومؤسسة علاجية داخل أملاك اللجنة .
وخوفاً على أعضاء اللجنة من التأثر بالإمراض الناتجة عن تلوث الغذاء والدواء والماء ؛ فقد أنشئت مصانع الدواء والغذاء والحلويات داخل أملاك اللجنة ، وتم طرح عطاء لتكليف مستوردين للمواد غير المصنعة محلياً .

مقالات ذات صلة

ونظراً لمحاولات بعض المتنفذين خارج أملاك اللجنة التدخل في شؤونها فقد أعلنت اللجنة الحكم الذاتي ، وشكلت جيشاً على المعابر وبعد فترة جرت انتخابات ؛ فتشكلت حكومة مؤقتة ، وأعلنت استقلالها عن الدولة الأم ، تبعتها انتخابات نيابية شككت الصحافة بنزاهتها
اجتمع البرلمان الجديد وتكاتفت جهود الحكومة مع جهود مجلس الأمة بشقيه من أجل قطع دابر الفساد والإفساد والربح غير المشروع ، وتم تشكيل لجنة عليا ذات صلاحيات كبيرة تضم النواب والأعـيان والحكومة والسلطة القضائية ومندوبين عن النقابات المهنية والعمالية وممثلين عن مخاتير المحـافظات ومنـدوبين عـــن أصـحاب المصانع ومستودعات الأدوية والتجار .
كان الاحتفال كبيراً ، لكنني صحوت فجأة ؛ وفاتتني فرصة المشاركة في الهيزعة مرة ثالثة .
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى