حكمة محمد طمليه

حكمة محمد طمليه
يوسف غيشان

في الهزيع الأخير من الثمانينيات، كنا، محمد طمليه وأنا وهيثم ضباعين وجهاد بجالي ومنير النحاس في رحلة صيد سمك في وادي الهيدان. كان البيك أب الذي نمتطيه آيل للسقوط والإعياء، لكنه نزل بنا الطريق الوعر بالعباطة… ولما أردنا العودة صعودا عجز البيك أب عن حملنا، فكان ان اقترح السائق على محمد طمليه ان يصعد إلى الصندوق الخلفي من اجل معادلة الوزن، ففرح طمليه بهذا الاقتراح، وقفز مثل الكنغر الى الصندوق وهو يقول:
– ممتاز، هاي أول مرة بأشعر فيها إنه فيه إلى وزن بهالبلد.

صدمتي العبارة، لصدقها المهين ونصوعها القاتل.
الوزن في بلادي لا علاقة له بالفيزياء، ولا علاقة بينه وبين الكتلة والكثافة…. لا علاقة له بنظرية أرسطو، ولا بجاذبية نيوتن، ولا بالانتقال المتبادل للإليكترونات وما يشابهها عند اينشتاين، ولا بالحركات العشوائية والاوتار المتضاربة عند عباقرة النظرية الكمومية…. ولا تردين الرسايل ويش اسوّي بالورق؟
أنت كائن تعيش خارج الفيزياء، ولا تشغل حيزا في الأصل، لكنهم يحولونك الى كائن فيزيائي لك ثقل وتشغل حيزا متى أرادوا، ويلغونك من معادلة الوجود ويشطبونك من وعثاء الزمن متى أرادوا.
هكذا فوزنك وكثافتك وكتلتك تتحدد إرادويا، لذلك، وفي سبيل انضمامك الى الراكبين في صندوق البيك أب عليك أن تدفع الكثير على حساب حريتك وكرامتك وتقديرك الذاتي لنفسك (إن وجد).
يحتاجونك أحيانا من اجل معادلة الثقل في “الطلعة”، وعندما يستوي الشارع، لا يحتاجون ثقلك ولا وجودك الفيزيائي، فيضعونك خارج أبعاد الزمن الأربع.
إنها خفة الكائن التي لا تحتمل
انها هذا الوجود الهيولي المفارق للواقع.
إنه المفعول به في أبشع صوره وأكثرها اهتراء.
حتى “الدالية” تعجز عن اللولحة في هذا الوجود المفارق للوجود.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى