حسابات التقارب الأردني مع سورية

حسابات التقارب الأردني مع سورية
ماهر أبو طير

انتهت مهام عمل القائم بأعمال السفارة السورية في عمان، أيمن علوش، وغادر الى دمشق، مودعا الأردن بكلام طيب، والقائم بالأعمال السوري، لم يكن شخصا جدليا ولا خلافيا، مقارنة بالسفير السابق بهجت سليمان، الذي خاض معارك كثيرة، بالكلام في عمان، فلا وفرها من لاذع لسانه، ولا وفرته هي أيضا، من حمم غضبها.
اللافت للانتباه ان علوش الذي استقبله رئيس مجلس الاعيان، فيصل الفايز، مودعا إياه، ورئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، لم يكن شخصا مرفوضا في الأردن، وكان له أصدقاء، وساهم بتحسين العلاقات الأردنية السورية، الى حد ما، لكننا بالمقابل نلمس حالة الاستعصاء في العلاقات الأردنية السورية، ووجود حالة تناقض وتقلب في التقييمات الرسمية، وهذا يفسر الاندفاعات في بعض الفترات من اجل تعيين سفير اردني في دمشق، وتعيين سفير سوري في عمان، ثم البرود المفاجئ، الذي يمكن تفسيره، بأكثر من طريقة.
هذا التقلب يرتبط بأمرين، أولهما تناقض المعادلات العربية والإقليمية والدولية، التي تترك أثرها على القرار الأردني، والثاني وجود تيارات رسمية متباينة داخل جسم الدولة، بعضها يؤيد تحسين العلاقات، وبعضها الأخر، ينصح بالتأني، وبينهما يمكن القول ان هناك انقساما رسميا اردنيا، بشأن العلاقات مع نظام بشار الأسد.
نتحدث اليوم صراحة، عن هذه التيارات الرسمية المتناقضة داخل الدولة الأردنية، اذ على الرغم من ان القرار يبدو مركزيا، ولا يخضع لتباين الآراء، الا ان هناك اكثر من تيار رسمي، واكثر من شخصية رسمية، لها تأثير ورأي في هذا الملف، إذ إن هناك من يريد تحسين العلاقات باعتبار ان الأردن بات مخنوقا اليوم في جواره الإقليمي في فلسطين والعراق وسورية، فوق انفضاض حلفاء عرب، وضغوطات واشنطن، ويعتبر أصحاب هذا الرأي ان المعادلات الإقليمية تتغير، وان على الأردن الاستعداد منذ الآن، لاحتمالات التغير لصالح السوريين.
التيار الثاني وهو أقوى، حتى الآن، وله تأثيره ومبرراته المفهومة وغير المفهومة، ويرى ان النظام السوري لن يبقى، وان تغيرات سوف تأتي آجلا ام عاجلا، وان لهذا النظام ارثا دمويا، وان عدم الاقتراب منه افضل للحسابات الأردنية والعربية والدولية. ويلعب أصحاب هذا الاتجاه دورا خطيرا يعاند الاقتراب من السوريين، بكل الوسائل، ويجد أصحابه مبررات دولية وإقليمية، للتغطية على اتجاههم، وتثبيته بشكل مؤثر داخل مؤسسة القرار الأردني، ويترصد أيضا أخطاء النظام السوري بحق الأردن، من اجل تكبيرها، وتوظيفها.
المفارقة هنا، انه بعيدا عن كل هذه التجاذبات فإن دمشق الرسمية، أيضا، لا تبدو مندفعة نحو الأردن، بل تتعمد عرقلة التجارة، وتوتير العلاقات امنيا، عبر توقيف بعض الأردنيين، وتوجيه اتهامات لعمان بمواصلة دعمها لتدريبات عسكرية للمعارضين السوريين، وغير ذلك من اتهامات يتم اشهارها علنا وسرا.
هذا يعني ان حالة القطيعة تبدو قائمة على المستوى السياسي، وبحيث يستفيد هنا أصحاب التيار الثاني في الأردن الذي يقف ضد الانفتاح على دمشق الرسمية من تعنت دمشق وعدم اقترابها من عمان، لتقديم الدليل على صدق نظرياتهم بأن لا فائدة من مصالحة دمشق، وأن الطلاق أسلم للأردن في كل الحسابات.
رضينا بالنظام السوري أو لم نرض، الا ان علينا ان نتنبه الى ان الملفات العالقة بين البلدين، مثل وجود اكثر من مليون شقيق سوري، وقضايا الامن والحدود، والتجارة، وغير ذلك من قضايا، يفرض على الأردنيين والسوريين الوصول الى صيغة وسطى، (اقل من سياسية، وأعلى من فنية)، من اجل الوقوف في نقطة واحدة، بدلا من هذا المشهد الذي تلعب في ظلاله قوى كثيرة، لاعتبارات مختلفة، بعضها مفهوم الدوافع، وبعضها غير مفهوم الدوافع، وهذه الصيغة الوسطى طوق نجاة، في كل السيناريوهات، على الرغم من الإقرار هنا ان فصل السياسي عن الفني يبدو صعبا، او غير ممكن في هذه الظروف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى