حساء الخفافيش و حريرة عمتي يمينة

حساء الخفافيش و حريرة عمتي يمينة
الحسين قيسامي

قبل فطور المغرب الرمضاني.. و في عز الجائحة كنت جالسا في حديقتي تحت ظلال الأشجار في غمرة التيه والضياع . انتظر حريرة عمتي يمينة…العمة التي جاءتنا من البادية و المعروف عنها بطهيها الجيد للحريرة الرمضانية المعطرة بالكبابة و القرفة… مثل اهل الكهف ” أبقى جالساً، جامداً، كما يفعل حيوان هو فريسة اليأس في جحره” على حد تعبير كافكا.. هل يجسد الجحر و الحجر واقعي المأزوم هو نفسه؟ و هل يجسد واقع البشر المأزومين.؟
في حديقتي منهمكاً في قراءة احد الكتب لفرانس كافكا: ” الجحر وقصص اخرى”..اصبحت مثل حيوان قارض في قصة “الجحر” الذي يسعى إلى تأمين نفسه واحتياجاته اليومية من الخطر المحيط به فى الخارج. اخاطب العصافير والسلاحف و الحلزونات التي تؤثث الحديقة، فتتسلل السكينة إلى نفسي. وفي غمرة بهجتي وانتشائي، شعرتُ بوخز من الحسرة والفراغ، إذ من المؤسف أن يكون هذا التيه في عالمنا اليوم….فكيف لفيروس صغير أرعب البشرية وجعل من نهارها قلقا…وليلها أرقا ؟
يزحف النوم إلى جفوني…وانا في غيبوبتي أنَام كما يقول المتنبي ” مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِم ”
بين اليقظة و الكرى أتساءل كم من ساعات من النوم يحتاج الطير ليكون بصحة جيدة. ” ومهما أخذني أدنى نوم كما يقول- ابن سيناء – كنت أرى المسائل بأعيانها في نومي واتضح لي الكثير من المسائل”: ألاحظ تحركات الحلزونات في الحديقة… آفة مؤذية لحديقتي لأنها تلتهم النباتات والزهور والخضروات. افكر في “الببوش” في ظل الجائحة و معاناة التلاميذ من جراء الدروس عن بعد ومخلفات البرنامج الاستعجالي ومدرسة النجاح وكل الأدبيات المستجدة في قطاع التعليم على نغمات نشيد الحلزون: دب الحلزون ××× فوق حجارة
من أين أتى ××× يحمل داره
في قبتها ××× لذ قراره
أشم رائحة القزبور وألاحظ عمتي يمينة وهي تحرك “ الحريرة ” ..وما هي الا ثوان معدودات حتى رأيت طيور الليل (الوطاويط) تطير قادمة من الجهة التي كنت احدق فيها .وغزت مجموعة اخرى من هذه الطيور الحديقة حتى إن أغصان الأشجار تحطمت من ثقلها. إنه الخفاش الفأري ذو الأذن الكبيرة عكس خفاش كورونا مصاص الدماء. ذلك الخفاش الذي يعض ضحيته و يفرز مادة مضادة للتجلط، حتى تستمر دماء الضحية في التدفق مما يتيح له التغذية.
تساءلت …ما العلاقة بين هذه الوطاويط والقوارض في جحورها؟ وهل الخفاش الصيني بريء حتى تثبت إدانته ؟
شوربة الخفافيش من الاطباق الشهيرة في الصين والفلبين ويتم تناولها قبل الوجبة الرسمية.
ويحتوى هذا النوع من الشوربة على خفافيش يتم طهيها وهى حية يضاف إليها بعض التوابل والثوم والزنجبيل. ولكن ادى تناول هذا النوع الغريب من الحساء إلى تفشى فيروس كورونا الذى اجتاح مدينة ووهان الصينية. بين الجحر و الحجر تسمرت في مكاني في انتظار غودو، هادئا، ثابتا و وحيدا. وكما يقول كافكا: :”لا تحتاج إلى مغادرة غرفتك. إبق جالساً إلى طاولتك واستمع. أو حتى لا تستمع، فقط انتظر، كن هادئاً، ثابتاً ووحيداً”.
أذّن مؤذن مسجد الحي معلنا وقت الإفطار، سارعت إلى المطبخ لمشاركة عائلتي الصغيرة و كذا عمتي يمينة وجبة الفطور.
بعد تذوق الحريرة المعطرة بالزنجبيل و الكبابة، فكرت في حساء الخفافيش وكيفية اعداده وقلت في نفسي ان فيروس كورونا الجديد انتشر بواسطة حساء مصنوع من هذه الثدييات. كنت اراقب عمتي يمينة وهي تتلذذ بالحريرة مستعملة ملعقة، على عكس المرأة الصينية التي تتذوق الخفاش بالعيدان وتحاول قضم جناحيه، قبل التهامه.
وإذا كان الخفاش يحظى بمكانة مرموقة في الصين، ويحمل رمز السعادة ومصدر النعم الخمس: (الثروة، والصحة، والعمر المديد، وحب الفضيلة، والموت الطبيعي)…فإن الوطواط عندنا ….وطواط واحد لا يصنع الربيع…ولكن كيفية صنع الحريرة لا يضاهيها حساء الخفافيش، وقد نجد أحسن وصفة عند عمتي يمينة. غفوت طويلا حتى أذان الفجر….لا سحور في زمن كورونا ولكن مذاق حريرة عمتي يمينة انقذ يومي من طوفان كورونا….وكما قال إيليا ابو ماضي في قصيدة ” الجحر الصغير:
“فتح الفجر جفنه… فإذا الطوفان يغشى” ((المدينة البيضاء((

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى