حرية التعبير والأمن الوطني.

#حرية_التعبير والأمن الوطني.
تعقيب على حوارية الملتقى الوطني.

#عقيل_العجالين


هذه الحوارية التي نظمها الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن في مقر حزب المستقبل والحياة ؛ مساء يوم السبت الماضي؛ وكانت بعنوان (الامن الوطني وحرية التعبير تعارض ام توافق).
ان ما دفعني الى التعقيب على الحوار الذي جرى في هذه الندوة هو السعي الى اكمال الافكار والإجابة عن أسئلة ومسائل لم تجد الإجابة خلال الندوة ؛ وساتناول هذه المسائل بالتوضيح والإجابة عن الأسئلة التي لا لازالت تنتضر الإجابة بطريقة موضوعية تحقق الفائدة العلمية المرجوة.
بعد الاستماع الى المتحدثين في هذه الندوة في هذه الندوة ؛ كان حديث احدهم يتلخص؛ بان حرية التعبير هي ام الحريات ولكن هذه الحرية يتم الاعتداء عليها وانتهاكها باسم الامن الوطني وخلص هذا الراي الى اقتراح مفاده انه يجب على الاحزاب السياسية عقد لقاء او حوار او اجتماع مع الحكومة لبيان مسالة الامن القومي حتى يمكن تجنب التعارض بينها وبين حرية التعبير.ووضع الحدود الفاصلة.حيث أن حرية التعبير لا تثير اي مشكلة في الأنظمة الديمقراطية.ويتم ممارستها بشكل متوازن مع مسائل الأمن القومي.
بالنسبة للمتحدثين الاخرين فقد كان حديثهما عن مسائل عامة؛ مثل الاعتقال الاداري والاعتداء على اختصاص القضاء من هذه الناحية واعتقال بعض المشاركين في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية السلمية.
لقد تمنيت ان يرد رأي قانوني متخصص في هذه الندوة فيه إجابة على التساؤلات التي تم طرحها ويضع النقاط على الحروف ولكن هذا لم يحصل مما يوجب علينا الإدلاء بالرأي القانوني لإيضاح المسائل التي بقيت دون إجابة
قبل الإجابة على المسائل التي طرحت في الندوة فانني سأتناول حرية التعبير أولا ؛ وهل هي ام الحريات حقا ؟ ثم بعد ذلك يتم تناؤل ما ورد في الندوة من تساؤلات وعلى النحو التالي:-
بداية فان حرية التعبير لا تعتبر هي ام الحريات ؛ حيث ان الحقوق والحريات الأساسية التي نصت عليها الدساتير؛ ومنها حرية التعبير هي متساوية ويكمل كل منها الاخر؛ ولا يكتمل البناء الدستوري للحقوق والحريات اذا تم انتقاص او نقض اي منها حيث تنهدم منظومة الحقوق والحريات عن بكرة ابيها.
اما عن المسألة القانونية الهامة والتي كنت اتمنى ان ترد الإجابة عنها خلال الحديث الدائر في الندوة ؛ فهي عن الحرية او الحق الذي يعمل على تفعيل الحريات والحقوق الاخرى كمنظومة حقوق وحريات متكاملة؛ فبالرغم من ان الحقوق والحريات الأساسية هي متساوية في البناء الدستوري الا انه لا يمكن ممارستها الا بتفعيلها حيث تبقى راكدة جامدة في نصوصها الدستوريه او القانونيه دون ان تتحرك ؛ وهنا نعود الى الملاحظة التي ادلى بها المتحدث الاول في الندوة حيث قال:- ( ان حرية التعبير الحقيقية هي التي تحرك الماء الراكد وهي التي تثير النقاش وتعمل على تغيير اوضاع بطريقة سلمية).
ومن أجل اختصار الحديث في هذا الموضوع ؛ فان الحرية او الحق الذي يعمل على تفعيل الحقوق والحريات جميعها هو حق تشكيل الاحزاب السياسية وحرية تأليفها وتكوينها وقيامها بدورها ونشاطاتها دون ادنى عراقيل او معوقات فعندما يتاح للاحزاب السياسية القيام بدورها بشكل حقيقي يتم تداول السلطة فيما بينها بشكل سلمي وبوسيلة وحيدة وهي الانتخاب العام الحر والنزيه عند ذلك يتم وضع الإرادة الشعبية موضع التطبيق ويصبح الشعب حقا وليس قولا هو مصدر السلطات فتكون حقوقه وحرياته مصانة كونه هو الذي يمسك بزمام الامور.
الجدير بالذكر ان الفقه القانوني الدستوري يجمع على ذلك دون خلاف ويتفق على انه لا ديمقراطية دون وجود الاحزاب السياسية وانه لا حريات ولا حقوق دون وجود الاحزاب السياسية وتمكينها من اداء دورها وممارسته بطريقة فعلية حقيقية.
هذه المعلومة القانونية تشكل أساس حقوق الإنسان وحرياته وهي لا تخفى على المبتدئين في دراسة القانون ممن هم في السنوات الاولى او الصفوف الاولى في كليات الحقوق ؛ ولكن هذه المعلومة قد تخفى على غير القانونيين مهما كانت ثقافتهم أو علمهم في مجال اخر غير مجال القانون.
بعد هذا البيان ناتي الى توضيح المسألة … فكيف يتم وضع الإرادة الشعبيه موضع التطبيق عبر دور الاحزاب السياسية ومن اجل ان تكون الحقوق والحريات واضحة ومصانة؟.
الإرادة الشعبية يتم وضعها موضع التطبيق عندما يكون الانتخاب الحر والنزيه هو الوسيلة الوحيدة لاسناد السلطة فقد الغيت طرق تولي السلطة والحكم بالوراثة او بالقوة او بالمكانة الدينية فهذه الطرق لم تعد مقبولة في الدساتير منذ ظهور نظريات سيادةالامه او سيادة الشعب حيث ان التعبير عن إرادة الأمة أو إرادة الشعب يتم بطريق الانتخاب فقط وبهذه الطريقة يتم اسناد السلطة من قبل الشعب إلى حكامه وممثله.
تخوض الاحزاب السياسية هذه الانتخابات العامة ويتم تشكيل الحكومة من الحزب الذي حصل على أغلبية المقاعد في مجلس النواب حيث ان حصوله على أغلبية المقاعد النيابية يعني قناعة الشعب ببرامج واهداف هذا الحزب لذلك يشكل زعيم الأغلبية النيابية الحكومة ويختار فريقه الوزاري ويبقى هذا الحزب الحاكم في الحكومه لمدة معينة هي اربع سنوات على الاغلب وبعدها يتكرر اجراء الانتخاب مرة أخرى وهكذا ….وهذه الطريقة متبعة في معظم النظم السياسية الديمقراطية المعاصرة.
بسبب تكرار الانتخاب فانه يتم تداول السلطة بين الاحزاب فقد يصل حزب اخر الى السلطة في دورة لاحقة فيتم تشكيل الحكومة من قبل هذا الحزب لذلك تتردد عباره (ان الحكومة الديمقراطية هي حكومة الإرادة الشعبية). دوما تتردد هذه العبارة في الفقه القانوني الدستوري حيث ان الاحزاب السياسية تسعى لتلبية احتياجات وطموحات الشعب حتى تحصل على الأغلبية النيابية عبر اصوات الجماهير الشعبية فتتمكن من الوصول الى السلطة وتشكيل الحكومة.
من خلال ما سبق فإن تداول السلطة من قبل الاحزاب السياسية وبوسيلة وحيده وهي الانتخاب العام الحر والنزيه سيضع الإرادة الشعبية موضع التطبيق فجميع الاحزاب السياسيه تسعى الى الحصول على اصوات الناخبين من اجل تولى السلطة وتشكيل الحكومة فيكون الشعب كالشمس من بقية الكواكب تدور جميع الاحزاب السياسية في فلكه ومداره هي وكل من يطمح الى تولى سلطة او منصب عام… فيكون للإرادة الشعبية جاذبية قوية تمسك زمام الامور فتعمل على تحقيق التوازن الدقيق والمطلوب ؛ فاذا ضعفت هذه الجاذبية او غابت؛ اختل التوازن وتبعثرت الحقوق والحريات واختلط الحابل بالنابل وزالت الحدود والفواصل بين الحريات ومسائل الامن القومي وكذلك الحال بين الحريات العامة وباقي الصلاحيات التي تمارسها السلطات العامة في الدولة
ان تداول السلطة من قبل الاحزاب السياسية بشكل سلمي عبر الانتخاب كوسيلة وحيدة لاسناد السلطة هي نقطة الانطلاق الى الحقوق والحريات العامة للشعب وتفعيلها؛ فان لم يكن هذا التداول موجودا في اي دولة او مجتمع فانه لا مجال للحديث عن وجود حقوق وحريات ولا مجال للتساؤل عن حدود وضوابط بين حرية التعبير ومسألة الأمن القومي لأن السبب في ذلك واضحا ومعلوما بشكل يكفينا عناء البحث
في نهاية هذا المقال فانني انوه الى ان الحريات في الديمقراطيات الحقيقيه ؛ حدودها واضحة ؛ لانه قد تم وضع الإرادة الشعبية موضع التطبيق وتم تداول السلطة من قبل أحزاب حقيقة فتم تفعيل الحقوق والحريات جميعها بما فيها حرية التعبير وبذلك نكون قد اجبنا على على مسألة أن حرية التعبير تتم ممارستها في النظم الديمقراطية وبشكل متوان مع مسائل النظام العام والأمن الوطني .
.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
……………..تم في 6/8/2025

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى