حروف مع نقاطها

حروف مع نقاطها
د. هاشم غرايبه
بسبب تأخر #الموسم #المطري، أوعزت وزارة الأوقاف الى كافة أئمة المساجد بإقامة #صلاة #الاستسقاء بعد صلاة الجمعة، فنفذوا التعليمات وهم يعلمون أن لهذه الصلاة شروطا ليست متحققة بهذه الصورة التي تؤدى بها، ولا تقبل بدونها.
هذه الصلاة تعود في مشروعيتها الى السنة الشريفة المؤكدة، لكن أداءها ليس كما جاء في تعليمات الأوقاف، فهي تؤدى صلاة جامعة يشترك فيها كل أهل البلد، ويشترط أن يؤمّهم أتقاهم، والمفترض أن يكون ولي الأمر، والمرجعية فيها قوله تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” [الأنعام:96]، أي أن استجابة الله مشروط بإيمانهم وتقواهم.
ولأن البركات التي يحققها المطر شاملة، فشرط قبول الدعاء شمولي، أي يجب أن يكون شاملا الجميع (الطبقة الحاكمة والرعية) بلا استثناء، ووجود فرد من بينهم غير محقق للشرطين ينقض الاستجابة، بدليل الأثر المروي عن استسقاء موسى عليه السلام لقومه وقد منع عنهم المطر، ورغم أن الذي طلب الغيث هو النبي التقي كليم الله، إلا أن الله أوحى إليه أن طلبه غير مجاب لوجود شخص واحد من بين مؤدي صلاة الاستسقاء غير محقق لشروط التقوى، ولم يستجب الله إلا بعد أن تاب ذاك الشخص.
لا شك أن وزير الأوقاف يعلم كل ذلك، لذا فطلبه أداء صلاة الإستسقاء في كافة مساجد المملكة بالأمس، والتي اعتدنا على أن لا تقيمها الوزارة إلا أن اطمأنت من خرائط الطقس أن هنالك منخفضا جويا قادما، ما هو إلا من باب الإجراءات الإعلامية الترويجية، الموحية بأن الأردن دولة إسلامية، فإن نزل المطر، فذلك يعني أن الله راض عن الدولة وتقواها.
لا يكفي وضع مادة في الدستور تقول أن دين الدولة الإسلام حتى تعتبر الدولة إسلامية، وبالمقابل لا يلزمها أن يكون القائمون على أمرها أئمة ودعاة، ولا فقهاء وعلماء دين، بل أناس متخصصون بشؤون الإدارة والسياسة والاقتصاد، مخلصون لعملهم ونظيفو اليد، لكن المنهج الذي يتبعونه هو منهج الله، ويكفي أن يكون لديهم فقيه عالم واحد على الأقل، وظيفته استشارية لكن رأيه مطاع، لتبيان مطابقة القرارات والإجراءات لشرع الله.
هذه ببساطة هي الدولة الإسلامية، وهذه المتطلبات ليست تعجيزية، ولا تلزمها قدرات خارقة، فلا يعدم مجتمع أن نجد فيه الأشخاص المؤهلين لذلك.
فإن كانت هذه المتطلبات تلبي رغبات الشعوب العربية، بل تمثل أقصى طموحاتهم، لماذا لا تصبح الدول العربية دولا إسلامية؟.
وإن كانت هذه الدول تتبع المنهج الديمقراطي حقا، فلماذا لا تستفتي شعوبها فيما تريده منهجا؟.
الإجابة على ذلك تستوجب منا العودة الى التاريخ، ففي عام 1905 عقد في لندن مؤتمر دام سنتين، ضم ممثلين عن الدول الاستعمارية الأوروبية وهي: انكلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، وبلجيكا وهولندا، إلى جانب كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول، لمناقشة سبل إدامة الاستعمار، الذي يحقق الرفاه والتقدم لأوروبا، وأصدر وثيقة عام 1907 اشتهرت بوثيقة كامبل، والتي أكدت على أن منطقة البحر المتوسط حيوية لأوروبا، وأفضل وسيلة للحفاظ على مصالح الدول الاستعمارية تقسيم الدولة الإسلامية الى دول، وابقائها متفرقة ومنع تقدمها ورخائها، ومنع عودتها موحدة على الإسلام من جديد.
لذا فالأنظمة العربية جميعها لم تكن من اختيار شعوبها، بل فرضها عليها الاحتلال البريطاني – الفرنسي.
هكذا نفهم لماذا لا يتاح للأقطار العربية اختيار منهجها، فالدولة لا تملك زمام أمرها، إذ أن هنالك تدخل سريع في حال أحس الغرب ببوادر تغيير.
كما يمكننا أن نعرف اسباب بقائها جميعا في خانة الدول المتخلفة، بسبب حظر البحث والتطوير التقني وتهجير علمائها الى الغرب.
ويفسر لنا ذلك سر استشراء الفساد وتحصنه، إذ أنه يتمتع بحماية محلية وخارجية، فالإفقار مفروض على كل الدول العربية مهما كانت غنية الموارد، وبالرغم من أن ثرواتها تكفيها لتحقيق النهضة الاقتصادية، وذلك لأجل تكبيلها بالديون، فالتقدم وتحقيق الرخاء محظور عليها، حتى تبقى مرتهنة لأطماع القوى الاستعمارية المهيمنة.
والأهم من كل ذلك حظر الإسلام من الوصول الى موقع اتخاذ القرار، خوفا من اتباع منهج الله، لأن هذا ما ستتوحد عليه الأمة، وتعود منيعة على المستعمرين من جديد.
بعد كل ذلك.. هل تطمع وزارة الأوقاف بالاستجابة؟!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى