#حروب مختلفة
فؤاد الجندي
في مثل هذه الأوقات من كلّ #حرب يتحوّل نصف #الشعب إلى محلّلين #سياسيين ، وثلثه إلى منتقدين ومتعجّبين من النصف الأول ، وربعه إلى ساخرين بسماجة ، وخمسه إلى متظاهري حكمة ، بينما يكون سدسه الأخير غير عارف أو مكترث بما يحدث في #العالم.
في مثل هذه الأوقات يعتلي كاتب شاب منابر منصّات التواصل الاجتماعي ، وقد تعظّمت فيه الأنا إلى درجة أنه على استعداد لإضاعة وقته ووقت غيره في جدال عقيم مدافعا بنزق عن فكرة خاطئة فقط كي لا يبدو جاهلا أمام جحافل مريديه ومفتونيه الذين يجودون عليه باللايكات وقلوب الحب كلما نشر حرفا حتى لو بالخطأ.
وفي مثل هذه الأوقات يموت كاتب آخر ، سيّد في مجال اللطش والهبد ، فنّان في نبش كتب التراث لاستخراج ضعيف الروايات وموضوعها وجمعها ونشرها في عملية تدليس وتضليل فاضحة ، وتبدأ معارك مضحكة بعد موته إن كان يجوز الترحّم عليه أو من المستحبّ لعنه ورجم قبره ، ويبدأ المتنورون بتأطير صوره على جدران صفحاتهم بينما يلعنه العارفون المالكون لمفاتيح الجنّة ، وكلا الطرفين لم يقرأوا له كتابا واحدا.
في مثل هذه الأوقات ، ينشر كاتب رصين على صفحته أن سبب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل كتابته لرواية أولاد حارتنا ، ولو كان قرأ الرواية لعلم أنها نشرت في نهاية خمسينيات القرن العشرين ، ولو كان قرأ عن نجيب لعلم أنه حصل على الجائزة بعد أكثر من ثلاثين سنة ، ويا لهم من طويلي بال منظمو هذه الجائزة ، لكنني أجزم أنه لم يقرأ صفحة لنجيب وأنه تماما مثل الذي طعن نجيب في عنقه بسبب نفس الرواية ، حيث اعترف في التحقيقات بأنه لم يقرأ كتابا واحدا لنجيب.
وفي مثل هذه الأوقات ، تحترق الأوطان ويموت الأبطال ، وتضيع فرحة الأطفال ، ونبقى ننقسم ونتشظى أكثر وأكثر في حروبنا المختلفة ، فكما لاحظتم منذ بداية هذا الكلام ، هذا الشعب انقسم على نفسه عديد المرات ، حتى أصبح أكثر من واحد ، والواحد منه انفصم حتى بات أكثر من واحد ، وكي تتغير المعادلة فيعود النصف نصفا والربع ربعا ليصبح جمع الشعب واحد صحيح ، على كل منا أن يعود بدوره واحدا صحيحا.