حروب المصطلحات

حروب المصطلحات
د. هاشم غرايبه

لقد تعرضت أمتنا طوال القرن الماضي لحرب ثقافية استهدفت تغيير القيم والمفاهيم التي تحقق مناعتها ضد الإستسلام والرضوخ للعدو، وتمثلت بعملية تزوير لمسميات تلك المفاهيم لقلب مدلولاتها أو حرفها عن مقاصدها.
أهم مصطلح جرى العبث فيه كان مفهوم الإرهاب، وإلصاقه بالإسلام بهتانا، لتبرير شن الحرب عليه.
لكي نتعرف على التزوير، علينا أولا أن نستعيد التعريف الصحيح للإرهاب، فهو يعني تخويف المجتمع بأعمال مروعة لتحقيق هدف يحقق مصلحة للإرهابي.
أقرب مثال على ذلك ما يجري في فلسطين المحتلة يوميا من إغلاق البلدات وهدم البيوت وقلع الأشجار لإرهاب السكان ودفعهم الى ترك أرضهم.
فهل فعل الإسلام أي شيء من ذلك في كل تاريخه!؟.
لم يكن هذا هو التزوير الأول، فقد سبقه الكثير، وكعادة كل امبراطوريات الشر عبر التاريخ، يستغل المتجبرون موقعهم الأقوى، فيزيفون ويحورون ما وسعهم ذلك في سبيل تحقيق المطامع وتعظيم المكاسب، فقد سمت قوى الغرب المستعمرة احتلالها لأراضي الغير استكشافات، وتحكمها في مصائر الشعوب المغلوبة انتدابا للتطوير والإعمار، وسيطرتها على مقدرات الشعوب معاهدات صداقة وتعاون، وفرض وجودها بشكل قواعد عسكرية في البلاد المقهورة على أنها تحالف.
ومع وجود احتلال أوروبي مباشر لفلسطين وإقامة كيان عسكري كمخفر متقدم لها في المنطقة العربية أسمته (إسرائيل)، زورت كثيرا من المصطلحات لتتوافق مع التزوير التاريخي بحق اليهود في الإستيطان في هذا الكيان.
فكان مصطلح أرض الميعاد أكذوبة على الله، فهل يعقل أن إله كل البشر العادل، يعد قوما بمنحهم أرض قوم آخرين، ويجيز لهم تقتيل وطرد سكانها!؟.
خاصة وأن هؤلاء الموعودين هم عصاة لله رفضوا دينه وقتلوا أنبياءه، وقال بحقهم: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ” [الأعراف:32].
بعد أن استتب الأمر لهذا الكيان، لم تتوقف عملية تزوير المفاهيم وتحويرها، فأطلقت قوى الغرب الداعمة له على المناضلين الفلسطينيين المدافعين عن وجودهم في أرضهم مسمى المخربين، وعلى الكفاح المسلح مسمى الإرهاب، وعلى الترتيبات التي تحقق تقبل هذا الإحتلال مسمى عملية السلام، وأطلقت على الأنظمة العربية التي رضخت فاختارت أن تُكره شعوبها على تقبل هذا الكيان ولا تعاديه مسمى معسكر السلام، وفرضت على هذه الأنظمة تقديم معلومات استخبارية يومية عن نشاطات مواطنيها الرافضين لوجود الكيان وأطلقت على هذا الفعل الشائن مصطلحا تجميليا أسمته “التنسيق الأمني”.
لقد وجدت أمتنا المستهدفة منذ ظهور امبراطوريات الشر الأولى، أن مواجهتها معها ليست عسكرية بدوافع الأطماع بثرواتها فقط بل هي وجودية إحلالية، كونها تحمل منهجا إنسانيا نقيضا، يهدف الى تحرير الإنسان من العبودية للجبابرة بواسطة عقيدة التوحيد.
إن إعلان صفعة القرن أسقط كل أقنعة الزيف، وما بعدها ليس كما قبلها، فقد زالت كل المساحات الرمادية بين فسطاطي الخير والشر، وبات لزاما إعادة التعريفات الى مدلولاتها الصحيحة، والتمسك بالمبادئ التالية:
1- من يحتل أرضنا أو يدعم المحتل ويفرض علينا شروط القبول بذلك هو عدو، ولا توجد قواسم مشتركة معه تبرر التحالف معه، لذلك فمن يتحالف مع العدو الصهيو-أمريكي، فهو في الخندق المعادي للأمة.
2- رغم وجود بعض المتطرفين بين المسلمين، لكن ذلك لا يستدعي الإنخراط تحت راية العدو الأمريكي الصهيوني في الحرب عليهم، قضيتنا معهم داخلية، ففي كل الأمم متطرفون قاموا بأعمال شنيعة، وعولجت حالتهم بالحوار، لذلك فمن يتحدث بعد اليوم بلزوم الحرب على الإرهاب، فهو في خندق عدو الأمة.
3- من يدعو الى التطبيع مع العدو، أو يقيم علاقات من أي نوع معه، وخاصة أمنيا، فهو في خندق عدو الأمة.
بهذا الفرز الصارم، يمكننا أن نحدد من بيننا من هو في خندقنا ومن هو في خندق العدو، ويجب أن لا نأسَ على كثرة المتساقطين من الغربال، فلا يزيدنا وجود المنافقين بيننا إلا خبالا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى