حدثتني وقالت / الهام التوتنجي

حدثتني وقالت :-
كيف لي ان لا استغرب ما رأيت قد قفز عقلي بين كفي يحتمي من حيرته ويرتجف من فرط الدهشة !!
ليس عجبا ما رأيت وحسب بل صورة تستدعي تثبيت الإضاءة وفصل الألوان كي يتسنى منع الإمتزاج والحيلولة دون البشاعة والتشويه .
تعلقت عيناي بملامح الوجه المندهش وهي تسرد تفاصيل مشهد أوجست منه خيفة فأبطاله أطفال في سن ما قبل المدرسة .
أردفت تقول :-
كان الأطفال في فترة الإنتظار للمغادرة يقضون الوقت في الساحة الخارجية للمدرسة ينعمون ومرافقاتهم بشمس الخريف وهواءه الندي يتبادلون الضحكات والاحاديث الطفولية الثنائية المرحة حين مرت من أمامهم طفلة لم تتجاوز الرابعة من العمر تمشي الهوينا ذارعة المسافة القصيرة بين بيتها والمدرسة المجاورة حيث لفيف الأطفال صبيان وبنات جالسون يقطعون وقت الإنتظار بكل ما يخطر على بالهم الندي من أحاديث ومشاكسا ت وإذ لفت مرور الصغيرة عن بعد نظر أحد الاطفال الذكور قفز يهرول نحو البوابة ليقترب من مدى رؤية أقرب وأوضح وهو يهمس لأصحابه الذكور- بنت ماشيه برا، بنت –
عيناه تلتمعان ومرفقه يغمز مرفق زميله لتنتقل عدوى اللمعان والغمز واللمز والإبتسام لبقية الصغار وكأنهم شاهدوا كائنا شحيح الظهور ملفت الحضور رغم ألفتهم رؤية أمثاله في محيطهم الأسري وحيزهم الإجتماعي .
إنه مشهد ينم عن فهم خاطئ تربع في عقول الصغار عن شقهم الثاني في الوجود
وبلمح البصر اصطف الذكور الصغار وفي أعينهم ووجوههم تعابير لا يبعد تفسيرها عن هدف التأمل احدهم عن فهم سابق لسنه والآخر عن إستغراب والثالث عن تقليد ولكن تجمعهم رؤية واحدة ،الصغيرة ذات التنورة البيضاء القصيرة والقميص الوردي الذي تخلى عن أكمامه والشعر السّبط الذهبي والبشرة البيضاء المكتنزة بدت كبرعم أطل على عاصفة لم تهب بعد وبدو جميعا كحالة ناشئة مصغرة لجيل المستقبل من ذكور وإناث تشوهت في عقولهم زاوية الرؤية للآخر وبدت محدبة تحصر النظرة في حيز الإختلاف البيولوجي .
انجذاب الصغار بتلك الطريقة وحركات الهمز واللمز والغمز بالعين والمرفق تشي بإختمار رؤية في ذهن الصغير عن شقه الثاني في الوجود كيف ترسخت هكذا رؤية في مثل هذا السن المبكر وبهذه الكيفية التي برزت أمامي أكاد من فرط دهشتي أقسم أن سن المراهقة قد بات قاب قوسين أو أدني فأغتال الطفولة أو كاد …
أطرقتُ مليا وأنا أستعيد شريط السرد لتلك الحكاية بدت لي خيوطها قريبة من التعقيد لكنها ليست بعيدة عن التحليل >
من أين لذاك الصبي اكتساب لغة بريق العيون لرؤية الكائن الأنثوي ؟؟من أين لذاك الصغير إكتساب النظرة المشوهة لشقه الثاني ؟؟
وكيف لأولئك الصغار ان يستجيبوا للغة الإنجذاب بكل هذا الوعي للأختلاف بين جنسهم والجنس الآخر ؟؟
بالطبع لا يمكننا تسمية الأمر بالميل الفطري لأن الفطرة السليمة تتصرف عن وعي وإدراك وليس عن إكتساب جهل ورؤية قاصرة ومحاولة تطبيق هذا المكتسب …
ما يعنينا من هذا المشهد ككل هو طبيعة تكوين الرؤية لدى الصغار فيما يخص إختلاف الجنس وأساسيات التعامل بين الجنسين وتربية مسار العلاقة السليمة القائمة على إحترام الوجود الشخصي لكليهما كإنسان لا كجنس مختلف بيولوجيا .
وعلى حد رأي الفيلسوفة الفرنسية سيمون دو بوفوار ” نولد بشرا ثم نصير نساء ” مع أنني ضد هذه المقولة لكنها تتجسد عمليا من خلال طريقة تربية الجيل وتربية النظرة الذكورية للأنثى منذ الصغر أيها المربون على عاتقكم تقع مسؤولية تربية جيل ينظر لشقه الآخر كمكمل في الوجود لا كمخالف يستدعي إختلافه الحذر والريبة والتلصص وضيق النظرة وحصرها في تصيّد الظهور ومتابعة الحركات والسكنات ورصد الهيئة وتعزيز الإنجذاب الغريزي وإعدام سمو النظرة وتعالي تقييم الوجود الإنساني في صورتيه كما شاء لها المولى ان تكون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى