حدائق الحيوان البشرية .. حين تغيب الإنسانية / حسن العاصي

حدائق الحيوان البشرية.. حين تغيب الإنسانية

كشفت صورة التقطت ببروكسل ونشرت عام 1958 وهزت ضمير البشرية، الوجه الذميم للغرب الاستعماري العنصري. الصورة كانت لطفلة من أصول أفريقية بعمر ثمانية أعوام، تم وضعها مع أطفال مثلها من أصحاب البشرة السوداء في أقفاص تسمى حدائق الحيوان البشرية. كما أصابت كلمات “ونستون تشرشل” الزعيم البريطاني التي نشرت العام 1992 الرأي العام الأوروبي والعالمي بالصدمة، حيث جاء في مفكرته التي كتبها حين كان وزيراً للداخلية أن “النمو الشاذ المتزايد لطبقات ضعاف العقول يشكل خطراً قومياً وعرقياً على أوروبا، ويجب وقف هذا الرافد الذي يغذي نهر الجنون”.

لقد مضت عقود على مكافحة العنصرية في الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى الرغم من صدور التشريعات والقوانين ضد التمييز العنصري، فما زلنا لليوم نرى الصدامات والحوادث والاعتداءات العنصرية في العديد من المدن الغربية. إذ أن للعنصرية جذوراً عميقة دفينة في النفوس وفي الوعي الغربي بصورة لا يمكن السيطرة عليها بشكل تام في بعض الأحيان، رغم التقدم الديمقراطي والعلمي والحضاري للغرب.

في الولايات المتحدة تشتعل حرب عنصرية بطريقة إرهابية ضد الأمريكان من أصول أفريقية، وضد القادمين من دول أمريكا اللاتينية بصورة أقل، مما يدفع للتساؤل عن أسباب تواصل سياسة التمييز العنصري في الولايات المتحدة. يجري استهداف وتهميش السود بصورة رئيسية في جميع القطاعات، ونسبة البطالة لديهم ضعف نسبتها بين البيض، ودخلهم المالي أقل بنسبة الثلث، ونسبة الفقر في أوساطهم أكثر بثلاث مرات من البيض، ونسبة الاعتقالات بينهم أكثر بأربع مرات.

مقالات ذات صلة

إن العنصرية والكراهية والاعتداءات ضد السود في أمريكا، وضد اللاجئين والأجانب في أوروبا وضد الأعراق الأخرى غير الأوروبية، يعد انقلاباً على الديمقراطية، وارتداداً عن قيم العدالة والمساواة، ونكوصاً حضارياً وإنسانياً للمجتمعات الغربية. ورغم كل ما أنجزه الغرب من تقدم علمي وتطور في مختلف الأصعدة، لكن ما يجري من اختلالات اجتماعية وإشكاليات اقتصادية وتناحر طبقي، لا ينفصل عن الطبيعة البغيضة للرأسمالية ولا عن مجمل السياسات البرغماتية التي تتبعها.

سياسة العنصرية

العنصرية قد تكون قانونية ومحمية بالدستور، حيث يتم تحديد العلاقة وشكلها بين فئات مجتمعية معينة بالدولة من خلال الدين أو العرق أو الطائفة. نجد في بعض الدول تشريع قوانين الاختلاف المتعلقة بالحقوق والواجبات. ويجري ذكر الدين والمذهب على بطاقات الهوية الشخصية للأفراد لغايات عنصرية وفرض نمط مختلف من التعامل. كما توجد عنصرية فكرية وثقافية ترتبط بالعادات والتقاليد والأعراف في المجتمع، وهذا يظهر حين يقوم المجتمع بنبذ مجموعة من المواطنين، أو شريحة اجتماعية أو طائفة من الناس تختلف بثقافتها عن الأغلبية. وقد يكون الدافع للعنصرية أسباب فردية وشخصية، حيث يقوم فرد ما بكراهية فئة أو جماعة ما، ويبدي التصرف العنصري العدائي تجاه هذه الجماعة بناء على أسباب تتعلق به شخصياً، أو لدوافع ترتبط به.

المادة العشرون من اتفاقية حقوق الإنسان الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1966 تنص على “حظر أية دعاية للحرب، وتحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”. ونجد نصوصاً مشابهة في دساتير جميع الدول التي تعاقب على الكراهية والعنصرية والتحريض الديني والعرقي إن تم داخل أراضيها، ومع ذلك نجد بعض الدول تقوم ببث الكراهية وتصنع الخوف من الآخر، وتنشر التفرقة وإثارة التناحر والصراعات، في دول أخرى لغايات ما، وخلق الفوضى والعبث، ثم تساعد على ظهور متطرفين ينشرون القتل والحرق، وفي توقيت مناسب تتدخل هذه الدول لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة وحل النزاعات، بشكل يحقق لها سيطرتها ومصالحها.

الدول الغربية ذاتها التي تؤمن بحق مواطنيها في العيش بحرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وتجتهد لتوفير الرفاهية لشعوبها، حتى لو كانت على حساب الشعوب الأخرى -الأقل أهمية ومنفعة- تقوم في سعيها للسيطرة على مقدرات الأمم ومن ضمنها الأمة العربية، على استحداث وسائل استعمارية حديثة غير تقليدية، حيث تقوم بتوظيف التكنولوجيا المتطورة وثورة البيانات في تطوير هذه الأدوات. لقد أسهمت التقنيات بإيجاد الحروب التي تستعمل القوة الناعمة كسلاح فتاك يستهدف العقول، عبر نشر الشائعات وبث الأكاذيب وتلفيق الوقائع، ضمن خطط ممنهجة مرسومة بدقة موجهة إلى شرائح اجتماعية محددة، لإشعال الفتن وإثارة النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية، بهدف إشغال الناس عن أزماتهم وحجب رؤية ما يحدث بهدف السيطرة عليهم. ولكي تتمكن الدول الغربية وبالتعاون مع بعض الأنظمة العربية المستبدة من إحكام السيطرة على الشعوب، يقومون بتغذية الخطاب الديني والسياسي والطائفي والعرقي المتشدد لتتسع دوائر الكراهية.

أضلاع العنصرية

في بداية التسعينيات من القرن العشرين، مع انتهاء الحرب الباردة، عاد الاستعمار الغربي للمنطقة العربية مرة أخرى عبر تصدير السلع والبضائع، ثم لاحقاً عبر الاستهداف الثقافي. وفي الوقت الذي كانت فيه الدول الأوروبية تسعى جاهدة لتنفيذ سياسات الاندماج التدريجي، وتحقيق نوع من المساواة، قامت الحرب العرقية الدينية في يوغسلافيا، ثم انعطفت أوروبا من توجهها نحو دول الجنوب في شمال أفريقيا، ودول الضفة الأخرى من المتوسط، التي كانت سياسة معتمدة من قبل الاتحاد الأوروبي، وتوجهت نحو دول الشرق الأوروبي، وبدأت في سياسة إسقاط الحدود فيما بين بلدان القارة. وأخذت معها تتوافر الظروف لعودة العنصرية على شكل اصطفاف سياسي واقتصادي وثقافي.

أبرز هذه الظروف هو التكتل فيما بين الدول الأوروبية على حساب التقارب مع الضفة الأخرى المتوسطية. لم يخصص الاتحاد الأوروبي سوى خمس مليارات يورو لتطوير وتنفيذ اتفاق برشلونة لتطوير العلاقة مع دول المتوسط، بينما صرفت أوروبا عشرات المليارات لإدماج دول أوروبا الشرقية، وذلك بسبب الفهم الضيق والنظرة الفوقية العنصرية لدول الاتحاد الأوروبي.

فتح الحدود بين دول أوروبا الغربية المتطورة ودول شرق أوروبا أحدث تفاعلاً سلبياً في المجتمع الأوروبي أدى إلى تصاعد العنصرية وتمدد الأفكار اليمينية المتشددة، التي لم تعد تقتصر على خطاب بعض الأحزاب الأوروبية العنصرية في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، بل أصبح للعنصرية أبعاداً اجتماعية واقتصادية، حيث ثارت حفيظة العديد من المواطنين الغربيين على الأيادي العاملة الرخيصة القادمة من دول أوروبا الشرقية التي تسببت بفقدان الكثير من الناس لوظائفهم، وهو ما أحدث تنافساً وصراعاً وتناحراً وأجواءً من الكراهية، استغلتها الأحزاب اليمينية ووظفتها في خطاباتها الانتخابية لبث الكراهية وتحقيق نسب مرتفعة من الأصوات. وتصاعدت الحملات التي تحذر من خطر الأجانب والمهاجرين الذين يهددون قيم وهوية أوروبا، ويزاحمون أبناءها على أرزاقهم، وهو الخطاب المغذي الفعلي والحقيقي للعنصرية. إن التغيرات التي تحصل في الدول الأوروبية تعود أساساً إلى التحولات البنيوية الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول ذاتها، فيما لا ذنب للمهاجرين واللاجئين فيها، ومن يزاحم وظائفهم هي العمالة الرخيصة القادمة من شرق أوروبا، ومن ينافس منتجاتهم وأسواقهم هم الأمريكان والصينيين.

صعود الصين كقوة اقتصادية قادرة على المنافسة، أحدث خللاً بميزان التجارة العالمي الذي كان دوماً يصب في المصلحة الأمريكية، فأصبحت الصين تزاحم أمريكا في أوروبا وأفريقيا، وهو ما اثار مشاعر الكراهية ضدهم في الغرب الذي مازال ينظر للصين باستعلاء وفوقية عنصرية.

وحتى تكتمل اضلاع المثلث التي وقفت عليه العنصرية وأظهرت أنيابها، لا بد من التذكير بالأفكار والنظريات العنصرية التي أعقبت انهيار المعسكر الاشتراكي، حيث أصبح الإسلام العدو الأيديولوجي الجديد للغرب، وخرجت علينا نظريات نهاية التاريخ وصراع الحضارات التي أشعلت حروباً وخلقت ظروفاً جديدة صار معها العربي والمسلم يثيران الريبة والخوف في الغرب، بدأت بعدها حملات الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين، توجت بتشريع حزمة من القوانين للتضييق على الحريات، وقيام اليمين المتشدد باستثمار هذه المستجدات للإمعان في تشويه صورة الإسلام والمسلمين والعرب والمهاجرين واللاجئين في الذهنية الغربية عبر وسائل الإعلام.

العنصرية الطاغية

ما الذي جعل العنصرية والكراهية تفرض حضورها الشنيع القوي، في حين كان الاعتقاد السائد أنها دُفنت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأن العالم قد أقبل على مرحلة تتسم بالسلام والإنسانية.

ما حصل هو أن العنصرية لم تندثر في حقيقة الأمر، لكنها تراجعت بدءًا من خمسينيات القرن العشرين في أوروبا، على الصعيدين الثقافي والقانوني بفعل التشريعات والدساتير الحديثة التي تعتمد العدالة والمساواة، وظلت العنصرية تبدي ممانعة في الولايات المتحدة حتى بداية السبعينيات. وفي الوقت الذي حقق فيه الأمريكيون من أصل أفريقي تقدماً اقتصادياً وثقافياً نسبياً في الولايات المتحدة، تبين أن في الدول الأوروبية يوجد سقف لتطور الأعراق غير الأوروبية، حيث لا يمكن تصور وصول رئيس وزراء أو رئيس دولة أوروبية من أصل أجنبي غير أبيض.

العنصرية كانت واحدة من سمات فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة. مرحلة انهيار الشيوعية، وسقوط الحدود الجغرافية في أوروبا، وبروز قوى دولية وإقليمية جديدة، ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وما تبعها من حروب واضطرابات وصراعات في أكثر من بقعة في العالم.

العنصرية والكراهية الغربية بسبب اللون والعرق والدين ونوع الجنس باقية وتفرض وجودها في كثير من المناسبات. وعلى سبيل المقاربة فإن السلطات الفرنسية تنظر للفرنسيين السود من “جزر الأنتيل” و”غوادلوب” كأجانب حتى اليوم بسبب لون بشرتهم، بالرغم من كونهم فرنسيين منذ حوالي أربعة قرون. وهذا يؤكد أنه على الرغم من مرور ثلاث أرباع القرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية، والقضاء على الأفكار والأحزاب النازية والفاشية، وكتابة دساتير حديثة، لم يكن كافياً للقضاء على الفكر والسلوك العنصري وعلى ثقافة الكراهية في عدد من الدول الأوروبية. وهذا يفسر في أحد أوجه إشكالية إخفاق سياسات الاندماج الأوروبية، وانتكاس قضية المواطنة، مما جعل الأجانب واللاجئين وخاصة الأبناء الذين ولدوا في أوروبا، يشعرون بحالة مريعة من التهميش والإقصاء والتمييز العنصري.

تطل العنصرية والكراهية برأسها القبيح حيث أصبحت ظاهرة كونية بمسميات متعددة، وصل الأمر إلى مرحلة المجاهرة بصلافة عن نظريات حول تقسيم العالم إلى قسمين، الشمال ويتكون من العرق الأبيض النافع الراقي حضارياً، والجنوب البائس الأدنى عرقياً، وتمت صياغة هذه الأفكار بنظريات عن صراع الحضارات، وابتداع الحروب لأسباب عنصرية. لم تعد خافية على أحد، تلك النظرة العدائية المرعبة للأجانب في الدول الغربية، نظرة كراهية مركبة تتعدد في مستوياتها وتتدرج على أساس الوضع الاجتماعي والدين والعرق واللون ونوع الجنس. وسقطت جميع القيم الأخلاقية والدعوات للاندماج وتقريب المسافات، أمام الخطاب الإعلامي اليميني المتشدد الذي يرفع شعار “الآخرون هم سعير جهنم”.

كافة القوانين والتشريعات والعقوبات التي أصدرتها الدول الغربية ضمن سعيها لمواجهة العنصرية والعقاب لمرتكبها، وجميع حملات التوعية المجتمعية للأفراد للتنبيه من مخاطرها، وابتداع أساليب متعددة لمعالجتها، واستحداث وسائل مختلفة للتبليغ عن العنصرية وتحصيل حقوق الضحايا، إلا أن هذا لم يمنع من اتساع وتمدد الكراهية والعنصرية التي اشتعل فتيل لهيبها بصورة مرعبة خلال الأعوام الماضية.

اللافت أن العنصرية والكراهية لم تعد فقط فكراً وثقافةً للأحزاب والجماعات اليمينية المتشددة، بل أصبحت أيضاً خطاباً انتخابياً للعديد من الأحزاب الأوروبية التي تروّج شعارات معادية للأجانب لحصد الأصوات. وهذا ما تؤكده الانتخابات التي حصلت في العديد من البلدان الأوروبية خلال الأعوام المنصرمة.

جرائم الكراهية

وهي الجرائم التي يتم ارتكابها على أساس ديني أو عرقي أو جنسي أو لغوي أو على أساس الجنسية أو المظهر الجسدي، أو الإعاقة أو الانتماء لحزب أو جماعة أو طبقة اجتماعية، أو على أساس لون البشرة أو نوع العمل. ويمكن للجريمة أن تأخذ شكل الاعتداء الجسدي أو اللفظي. وقد زادت هذه الجرائم التي يقوم بارتكابها متشددون وعنصريون في دول أوروبية ضد العرب والمسلمين واللاجئين بنسبة أربعمائة في المئة خلال الثلاث أعوام الماضية

في فرنسا معقل الحرية والعدالة والمساواة، تتنامى خطابات العداء للمسلمين بصورة مرعبة، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة بعض المدن الفرنسية في الأعوام الماضية. انتشرت عبارات “أيها العرب اخرجوا من بلادنا” و”العرب القذرون”. كما دعت زعيمة اليمين المتطرف “ماري لوبان” إلى إعادة تفعيل عقوبة الإعدام لمواجهة ما أسمته الأصولية الإسلامية. وتزايدت الهجمات ضد أفراد الجالية المسلمة هناك، وتكرر مشهد حرق المصاحف والاعتداء على الجوامع في أكثر من مدينة فرنسية.

في بريطانيا أصدرت مؤسسة حقوقية تدعى “تل ماما” تقريراً في العام 2017 تضمن تزايد مقلق في معدل حوادث الكراهية والاعتداء على المسلمين واللاجئين في عدة مدن بريطانية. وكشف التقرير الذي أعدته المؤسسة بعد دراسة استمرت ثلاث أعوام عن 1084 جريمة كراهية تضمنت اعتداءات وهجوم عنيف وتهجم على المساجد، إضافة إلى مئات الإساءات عبر شبكة الانترنت.

في اسكتلندا وقعت هجمات بدوافع عنصرية على المسلمين والعرب عقب كل عمل إرهابي كانت تتعرض له بعض المدن الأوروبية. تم تسجيل 67 جريمة كراهية خلال العام الماضي، أبرزها حريق متعمد لمركز ثقافي إسلامي، والاعتداء على صاحب متجر، وتوجيه الإساءات عبر الانترنت إلى الوزير في الحكومة الأسكتلندية حمزة يوسف.

في الولايات المتحدة معظم جرائم الكراهية تتوجه نحو الأمريكيين من أصل أفريقي، ونحو اليهود والمثليين على التوالي، إلا أن الجالية العربية تحصل على نصيبها من حملات الكراهية، وقد تصاعدت نسبة هذه الجرائم خلال الأعوام الماضية. وبحسب الإحصاءات التي يصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي فقد بلغت نسبة جرائم الكراهية ضد العرب حوالي 16 في المائة من إجمالي الجرائم التي يكون سببها الرئيسي الدين والعنصرية والكراهية.

في ألمانيا شهدت بعض مقاطعاتها احتجاجات واسعة ضد الإسلام وضد اللاجئين، خاصة تلك التي نظمتها حركة “بيديغا” اليمينية المتشددة، وقد تخلل إحدى تلك المظاهرات قتل مهاجر أريتيري.

الكراهية الغربية

ظاهرة تمدد الفكر اليميني المتشدد والقومي العنصري في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، أصبحت عبئاً مقلقاً في تلك المجتمعات تستوجب مواجهتها. حيث لأسباب دينية وعرقية ومنفعية، تتصاعد في العديد من الدول الغربية خطابات وحملات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين و العرب وضد اللاجئين والمهاجرين وضد الغجر مواطني دول شرق أوروبا الفقيرة.

بولاية “ميتشغان” في الولايات المتحدة الأمريكية قام قس في الكنيسة المعمدانية يدعى “تيري جونز” بحرق القرآن الكريم في العام 2010 تزامناً مع الذكرى التاسعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة. تضمنت أقواله في المحكمة أن المصحف يشجع على الأعمال الإرهابية، وأصر على تمسكه بحقه في التعبير وفقاً للدستور الأمريكي. وقام أيضاً عدداً من الأمريكيين المتطرفين بحرق نسخ من كتاب القرآن الكريم أو تمزيقها للتعبير عن كراهيتهم للإسلام.

في مدينة “فينليس” الفرنسية طالب رئيس بلديتها “روبرت تشادون” بحظر الإسلام في فرنسا. واعتبر أن الحل الوحيد لمشاكل فرنسا هو حظر الدين الإسلامي.

الاب الروحي للحركة الجديدة المعادية للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة “ديفيد هورويتز” يقود حملة كراهية شديدة لتشويه صورة العرب والسود في أمريكا. حيث يعتبر أنه لا يوجد مكان أكثر عنصرية من مجتمع السود. يقول إن في الشرق الأوسط يوجد الشر ويوجد اليمين. ويهاجم في خطاباته اليسار الراديكالي الذي لا يقل خطورة -برأيه-عن الفكر الإسلامي المتشدد.

الضيفة الأساسية في محطة “فوكس نيوز” الأمريكية من أصل لبناني “بريجيت غابريل” واحدة من أشد أعداء العرب والمسلمين في الولايات المتحدة. تتبنى خطاب وحملة كراهية متشددة حاقد على الإسلام بسبب التعصب الديني. هي ابنة أسرة مارونية من قضاء مرجعيون واسمها الحقيقي “نور سمعان” رحلت إلى إسرائيل ثم غادرت إلى أمريكا حيث أنشأت منظمة “افعل من أجل أمريكا” المناهضة للإسلام. قالت ذات مرة أن بإمكانها نسف 1400 عام من التاريخ الإسلامي خلال بضع دقائق.

رئيس ومؤسس حزب الجبهة الوطنية الفرنسية المتطرف “جان ماري لوبان” قاد عبر مسيرته السياسية-ولا زال- حملات كراهية عنصرية متشددة ضد العرب والإسلام لأسباب دينية وعرقية. ذكر مرة أنه يفضل رؤية الأبقار على رؤية العرب لذلك اشترى بيتاً في الريف. وفي تصريح عنصري آخر له قال إنه كان سوف يمارس التعذيب في الجزائر لو طُلب منه ذلك. ابنته ” مارين لوبن” التي تترأس الحزب منذ العام 2011 بعد أن قامت بتنحية والدها، لا تقل عنصرية وتعصباً وتشدداً وكراهية للعرب والإسلام واللاجئين من والدها.

ومن أقصى المشرق ظهر علينا رئيس الوزراء الأسترالي السابق “توني أبوت” في مقال نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، دعا فيه الدول الغربية لأن تعلن تفوق الثقافة الغربية على الثقافة الإسلامية، لأن الثقافات غير متساوية بحسب ما يرى. وأضاف أن الفكر الإسلامي لم يعرف يوماً حالة من الإصلاح.

رئيس الوزراء الإيطالي السابق “سليفيو بيرلسكوني” الذي تلاحقه العدالة بتهم الفساد، اعتبر أن الحضارة الإسلامية دونية وأن الحضارة الغربية تتفوق عليها. وكذلك فعل رئيس وزراء المجر الذي أطلق تحذيراً أن اللاجئين المسلمين يهددون الهوية المسيحية لأوروبا.

تتصاعد حملات الكراهية ضد الإسلام والعرب وضد اللاجئين بصورة عامة، أثناء التحضير وخلال الحملات الانتخابية، ويجري التشديد على التعارض القائم بين الثقافة الغربية المتطورة وبين الثقافة الإسلامية، وثقافة اللاجئين البدائية. الرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترامب” اعتبر اثناء حملته الانتخابية، أن الإسلام في أمريكا مشكلة ويجب التخلص منها. وصل الأمر به أن اتهم الرئيس السابق “باراك أوباما” بأنه ليس أمريكياً لأنه من أصول مسلمة. وما زال للآن يهدد ويتوعد بإغلاق الحدود أمام المسلمين، وفي وجه رعايا بعض الدول لأسباب عنصرية متشددة تتعلق بالكراهية.

المترشح الرئاسي الجمهوري “بن كارسون” الطبيب المتقاعد من أصول أفريقية، ذكر أن أي مسلم لا يصلح أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، واعتبر ذلك لا ينسجم مع الدستور الأمريكي، على الرغم من علمانية الدستور هناك. وشبّه كارسون اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب بأنهم “كلاب مسعورة”. فيما يعتبر الجنرال “روبرت ديز” صاحب كتاب “الأمم المرنة” أن محاولة استرضاء المسلمين من خلال وصف الإسلام بأنه دين محب للسلام هو أمر غير حكيم.

في ألمانيا طالب “زيغمار غابرييل” نائب المستشارة الألمانية وقف تمويل المساجد من الخارج، واعتبر أن العديد من اللاجئين ومن المسلمين هم إرهابيين محتملين. فيما ذكر رئيس قائمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني في البرلمان أن المساجد في أوروبا تنشر الفكر الوهابي.

أثارت هذه التصريحات العدائية وسواها التي تحض على الكراهية، بعض ردود الفعل الغربية المعارضة، لكن ظاهرة العداء للإسلام والعرب واللاجئين تتنامى بصورة مرضية، لم تعد تنفع بكبحها، التصريحات الإيجابية الخجولة والمتواضعة من بعض الشخصيات والأطراف الأوروبية. لكن غير المفهوم والكارثي هو حالة الصمت والتجاهل واللامبالاة التي تبديها الدول العربية والاسلامية تجاه هذه الظاهرة، وكأنها لا تعنيهم بشيء، بل أحياناً يجري التعتيم على هذه الظاهرة من قبل بعض وسائل الإعلام العربية، لأسباب تعتبرها بعض الأنظمة العربية مصالح عليا!

الانتحار الجماعي

لقد شهد القرن الواحد والعشرين انتشاراً واسعاً لظاهرة الكراهية والعنصرية والعقل الإقصائي بسبب تصاعد العنف السياسي والفكري والعقائدي والمذهبي والاجتماعي، وبسبب تمدد التطرف والأفكار المتشددة، مقابل تراجع قيم التسامح والتعايش، وانحسار الأفكار التي تدعو إلى التعايش والعفو وقبول الآخر. إن كان جوهر الديمقراطية المعاصرة هو الإيمان بقيم التسامح والتعايش وقبول الآخر المختلف. فإن تصنيع الكراهية والخشية من الآخر أحد أبرز أدوات الجيل الرابع للتكنولوجيا والثورة المعلوماتية، وذلك عبر استخدام آليات ناعمة من خلال التحكم والتوجيه بوسائل الإعلام المتنوعة، والسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، واختراق منظمات المجتمع المدني.

إن الحياة بطبيعتها تتطلب التعدد والتكامل والتنوع بكافة أطيافه، وهذا يتعارض من منطق الكراهية والعنصرية والإقصاء، جميعنا كبشر متساوون في كل شيء، نتوق كلنا للحقيقة -وهي نسبية بذاتها- لكن هذا الشغف لا يعني أن أحداً أو جماعة أو عرقاً يمتلك الحقيقة، فهي مقسمة بيننا، لذا كل منّا يدركها برؤيته، وهذه الرؤى جميعها تشكل الحقائق النسبية في سيرورة تاريخية. أن يدعي أحد ما أو جماعة أو عرق أو أمة ما أنها تمتلك الفلسفة والحقيقة والعقل، فهذا القول يناقض منطق التاريخ بل منطق الحياة ذاتها، ومن هنا تبدأ بذرة الاستعلاء والاقصاء والكراهية والعنصرية، لأن من يؤمن بأنه الأفضل وأنه يمتلك العقل والحقيقة يفترض أن من لا يؤمن بما آمن به فهو معاد ويجب إبعاده وتهميشه. بهذا فإن الكراهية والعنصرية كامنة في كل فكر أحادي.

حيث تجنح الممارسات الديمقراطية عن درب الحرية، تتحول إلى عشب يقتات به وحوش الكراهية. وإن أعرض الفكر عن إنسانيته وأخلاقه، يصبح ناراً تلتهم الشرق والغرب. وما لم يجري مواجهة الكراهية ومعالجة مسبباتها ودوافعها، والتصدي بحزم لكافة الأفكار والجرائم العنصرية، وترشيد الخطاب الديني والسياسي، فإن البشرية سوف تنحدر إلى مستويات متدنية وبدائية. إن البديل الطبيعي لصناعة التعايش والحياة هو الانتحار الجماعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى