حتى تَستَعيد الحُكومة ثِقة المواطن
سلامة الدرعاوي
ليس من السهل أن تَستَعيد الحُكومات ثِقة المواطن الذي تحمّل الكثير من جراء السياسات الاقتصاديّة التي نُفذّت خلال العقود الماضيّة والتي جميعها أدت إلى تآكل دخله وتراجع قُدرته الشرائيّة.
فُقدان ثِقة المواطن بالخطاب الاقتصاديّ الحكوميّ ليسَ عبثاً، وإنّما هو وليد تراكمات عبر السنين لا يُمكن اِستِعادتُها بين ليلة وضحاها، فالحُكومات وعدت المواطن بأن رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي إلى تقليص العجز الماليّ في الخزينة، والنتيجة انه تم إلغاء الدعم تقريباً وزاد العجز.
الحُكومة قالت أن صفقة نادي باريس التي استخدمت فيها عوائد التخاصيّة (1,6 مليار دينار) لِشراء الديون الخارجيّة هدفها تخفيض الدين العام ضمن استراتيجيّة واضحة، والنتيجة تمت الصفقة واستخدمت العوائد وارتفع الدين أضعاف مُضاعفة بعد عدة اشهر فقط عما كان عليه ما قبل الصفقة.
الحُكومة تعهّدت انه في حال انخفاض أسعار النفط عالميّاً فأن ذلك سينعكس على تعرفة الكهرباء والمحروقات التي يدفع أثمانها المواطن والقطاع الخاص، والنتيجة أن أسعار النفط مُنذ نهاية عام 2014 وهي في تراجع وصلت نِسبته في بعض الفترات 70 بالمئة والمواطن مازال يدفع اعلى تعرفة كهربائيّة وأثمان للمشتقات النفطيّة في المِنطقة تقريباً أن لم يكن الأعلى.
الحكُومة أرادت أن تُحارب الفوضى في القطاع العام وتُحقّق العدالة في مستوياته الإداريّة والماليّة بين العاملين فيه، وأطلقت خِطة إعادة الهيكلة التي قُدّرت موازنتها بحوالي 82 مليون دينار في موازنة 2011 حينها، والنتيجة أن غالبية كفاءات القطاع العام هربت منه إما بالتقاعد أو بالهجرة للخارج وفتح الباب للتعيين وفق المحسوبيّة والواسطة، مقابل أعباء مالية اقتربت من النصف مليار دينار كلّفت الخزينة، والأكثر قسوة من ذلك كُلّه هو الدمار الذي حصل في بنية الإدارة العامة في الدولة بدلًا من إصلاحها.
الحُكومات كانت تتحجج على الدوام بنقص الدعم الخارجيّ وتراجع المُساعدات المُقدّمة للمملكة كذريعة لاتخاذ مجموعة من القرارات الماليّة الصعبة التي تزيد الأعباء على المواطنين، والنتيجة هو أن بند المساعدات قد يكون البند الوحيد في الموازنة العامة الذي يُخالف واقعه الفعليّ مع ما قُدّر عليه في الموازنة باتجاه إيجابيّ، أي أن المُساعدات كانت على الدوام في ازدياد.
تنمية المحافظات كانت على الدوام على أجندة الخطاب الاقتصاديّ الرسميّ، والمحصّلة هي زيادة وطأة الفقر وارتفاع مُعدّلات البطالة في المحافظات واتساع فجوة التنميّة بين المحافظات والعاصمة.
الحُكومة اليوم مُطالبة بإعادة بِناء جدار الثِقة بين المواطنين ومؤسساتهم الاقتصاديّة الرسميّة وخطابهم التنمويّ، ولا يكون هذا بالفزعة أو بالقطعة أو بقرار، إنّما يكون بسياسات يتلمس صدقها المواطنين.
الحُكومة اليوم بأمسّ الحاجة إلى أن تُترجم بياناتها الوزاريّة إلى أفعال وإجراءات يقبل بها المواطنون، ويرون انعكاساتها عليهم، وهذا يكون من خلال الشفافيّة في الخطاب والجديّة في العمل وترجمة التوجيهات الملكيّة في إحداث نقلة نوعية في حياة الأردنيين، من خلال إشراكهم في رسم السياسات الاقتصاديّة اولاً، ومن ثم تقييم تلك السياسات ومتابعة تنفيذها ومحاسبة المقصرين.
الحِوار الصادق بين الحُكومة والمواطنين هو انجع السبل لردم هوة الثِقة المفقودة بينهما، ولا يمكن لحكومة أن تبني جسور الثِقة إلا بالتعاون مع مجلس نوّاب يُمثل شرائح المجتمع تمثيلا حقيقيّاً، لأنه هو لوحده من سيؤكد للمواطنين أن السياسات الحكوميّة الاقتصاديّة صائبة ام غير ذلك.
للأسف الواقع الفعليّ يتحدث بأن الحُكومات المُتعاقبة للأسف لم تبذل الجُهد الكافي لاستعادة ثِقة المواطنين، على العكس فقد أدارت ظهرها في كثير من الحالات وأخلفت وعودها التنمويّة تجاه المواطنين.