علم الحديث / د. هاشم غرايبه

علم الحديث

منذ ظهور الدين في الأرض، ناصبه اصحاب المطامع من أرباب السلطة والمال العداء، كونه نصيراً للضعفاء والمظلومين، وظل همهم إضعاف الإيمان وصرف الناس عنه.
في الرسالات الأولى، حاصروا الأنبياء ومن آمن معهم، وعندما انتشر الدين وخرج عن قدرتهم، توجهوا لتشويهه وحرفه عن مقاصده، لكن عندما نزلت الرسالة الخاتمة، كان معها معجزة دائمة وهي القرآن، وتكفل الله بحفطه بذاته العلية، لبقائه حتى نهاية الدنيا، لأنه لا رسالة بعدها.
لم تتوقف محاولات تحريفه، لكنها فشلت جميعا، لذلك توجهوا الى ما لم يتكفل الله بحفظه وهو الحديث الشريف، والذي يمثل الشق التطبيقي والتفصيلي من الشريعة التي أوردها القرآن مجملة.
ولما كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم بشريا، لذا يمكن تقليده أو تغيير ألفاظه، فقد ركز المحرّفون على إدخال ما يوافق هواهم من خلاله، من هنا ظهرت الحاجة الى قطع الطريق على محاولات الدس من خلاله، فأنشأ العلماء المتخصصون علم الحديث.
وقد قسموا الحديث من حيث قائله إلى أربعة أقسام على النحو الآتي:
1 – الحديث القدسي: وهو ما نُقِلَ إلى المسلمين عن النبي عليه الصلاة والسلام مع إسناده للحديث إلى الله عز وجلّ .
2 – الحديث المرفوع: وهو ما أضافه الراوي إلى النبي عليه الصلاة والسلام من أقوال، أو أفعال، أو تقريرات، أو صفات.
3 – الحديث الموقوف: وهو ما أضافه الراوي إلى أحد الصحابة من أقوال، أو أفعال، أو تقارير، أو صفات؛ بمعنى أنّ الحديث الموقوف هو القول أو الفعل أو التقريرات أو الصفات التي تصدر عن الصحابة وليست صادرةٌ عن النبي عليه الصلاة والسلام.
4 – الحديث المقطوع: وهو ما أضافه الراوي إلى التابعي من أقوال، أو أفعال، أو تقارير، أو صفات، ويسمّيه علماء الحديث كذلك الأثر.

أما تقسيم الحديث باعتبار وصوله للمسلمين فينقسم إلى قسمين رئيسيين هما:
أ – الحديث المتواتر: هو ما رواه عدد كثير أو جمعٌ كثيرٌ من الرواة يستحيل في العادة تواطؤهم واتّفاقهم على الكذب في جميع طبقات الرواة، وهذا النوع من الحديث مقبول كلّه، ولا حاجة للبحث عن رواته.
ب – حديث الآحاد: هو الحديث الذي لم يجمع شروط الحديث المتواتر، وينقسم حديث الآحاد من حيث عدد الرواة إلى ثلاث أقسام:
1 – الحديث المشهور: هو الحديث الذي رواه ثلاثة من الرواة فأكثر في كل طبقة.
2 – الحديث العزيز: هو الحديث الذي لا يقل عدد رواته عن اثنين من الرواة في جميع طبقات رواة الحديث.
3 – الحديث الغريب: هو الحديث الذي ينفرد بروايته واحدٌ من الرواة فقط.
وضمن هذه التصنيفات، قسمت أحاديث الآحاد الى مقبول ومردود، فالمقبول ما كان صحيحا أو حسنا، والمردود هو الضعيف برواته.
مما سبق نرى أن علماء الحديث تجنبوا البحث في النص بذاته، واقتصروا التدقيق على شخص الراوي من حيث الثقة بأخلاقه، لكن ذلك تم بعد مائتي سنة على زمن النبوة، أي أن هنالك خمس طبقات (أجيال) على الأقل تناقلت الرواية، والمحقق قد لا يجد من يسألهم إلا من معاصرين لآخر طبقة أو طبقتين، لذا فكل الإعتماد يكون على المحدث، والذي هو إنسان أولا وأخيرا.
من هنا كانت مطالبات عبر العصور من قبل مجتهدين مخلصين بإعادة التقييم وفق منهجية أكثر موضوعية، لكن كان يتصدى لهم دائما طرفان: متشددون لا يرون في نصوص القرآن إشباعا لميولهم المتطرفة، ويخشون فقدان السند الذي يبررأفكارهم، والثاني من أتباع بعض الفرق التي بنت مشروعيتها على أحاديث ضعيفة.
كل من يحاول تمحيص هذا الكم الهائل من الأحاديث الموضوعة والمتزايدة باضطراد، يلجأ هذان الطرفان لإرهابه بالسلاح المرعب: التكفير..فيسكت، وما زال المفكرون المخلصون يتوارثون السكوت جيلا بعد جيل.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى