حب النبي بين الإيمان والتقديس
ربما كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر إنسان احتل مكانة في قلوب البشر، بل من الممكن أن لا يوجد إنسان غيره يحبه المرء أكثر من نفسه، بل إن ذلك أصبح السمة المميزة للمؤمنين.
لذلك فمحبته أصبحت معيارا للإيمان، والذي يبقى ناقصا إلى أن يتحقق للمرء من أن محبته لرسول الله تفوق محبة أي شيء آخر..بما فيها نفسه التي بين جنبيه.
هذه المحبة ليست في تلك الصورة الصوفية التهويمية، ولا هي بمفردات الغزل والعشق والهيام التي تتغنى بها المدائح النبوية، والتي تهبط الى مرتبة المحبة الجسدية الممجوجة، عندما يتغزلون بجمال الصورة والوجه المليح والعيون الدعجاء، مثلما كان الشعراء الغاوون يشببون بالمحبوبة، أو بكأس المدام.
محبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون لسمو ذاته وليس لجمال صورته، هي تعبير عن تقديرنا لفضله في هدايتنا للصرط المستقيم، وليس لحلاوة صوته أو جمال هيئته، واحترامنا له وإجلالنا لقدره يتأتى لأنه الذي اختاره رب العزة من بين البشر لحمل رسالته إلينا، وليس عن عصبية قومية ولا لشرف نسبه وحسبه، بل لأنه أعظم الناس إيمانا وأكثرهم تقوى، لذا فهو قدوتنا في ذلك، وبمقدار اقترابنا منه والتزامنا بنهجه نزداد قربا من الله.
إذا محبة النبي تدفعنا الى الإقتداء به وبالتالي فهي دليلنا على أننا على الصراط المستقيم.
من هنا وجد معادو الإسلام بابا للتنفيس عن حقدهم المكبوت وهو الطعن في صفات نبينا الحميدة وأخلاقه العظيمة، والتي شهد بها العليم الخبير حينما قال:”وإنك لعلى خلق عظيم”، كما أن الله تعهد بأن يعصمه من الناس في حياته وبعد مماته، وقيض له من ينتصر له فكانت سهام حقدهم دوما تخيب، بل تؤدي الى مزيد من الحب له،… فهل تحقق لأحد من البشر مثل ذلك الإكرام؟.
هكذا أصبح الولوج من هذا الباب صعبا فتوجهوا الى باب أخبث، وهو تنزيه النبي بهدف تأليهه كما فعلت الأمم السابقة بأنبيائها، لذلك فقد اعتبروا النبوة مرتبة ما بين البشر والإله.
وجدوا من بعض الجهلاء وبعض من البسطاء من يتحمسون للفكرة،اعتقادا أن ذلك زيادة في حب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا أنه منزه من مناقص البشر، وفهموا الآية: “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” أنها تعني أن كل كلامه موحى به فلا يقول أو يفعل شيئا بذاته وإنما كله من الله.
طبعا فاتهم أن الوحي المقصود بتلك الآية هو القرآن، بدليل قوله تعالى:”وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ..”، و” قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي..”، أما الوحي بغير القرآن فكان بأمور محددة وليست طوال الوقت، فقد ورد في كثير من أقوال الصحابة الذين كانوا ملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يعرفون من تغير حالته أن قرآنا ينزل عليه عن طريق الوحي، ويعرفون متى يرتفع عنه الوحي.
كما أنه كانت هنالك فترات انقطاع للوحي امتدت أحيانا أربعين يوما، فهل كان يعتزل الناس حينها أو لا يفتي ولا يحدثهم بحديث؟.
من المهم معرفة أن الوحي ليس مختصا بالأنبياء فقط ، فقد أوحى الله للنحل، وأوحى الى أم موسى، وأوحى للحواريين أن يؤمنوا بعيسى عليه السلام فاستجابوا، إذا فليس كل الذي يوحي به الله دينا أو شريعة، وليس كل الوحي يكون عن طريق جبريل عليه السلام، بل هو حالة يريد الله بها أن يوصل معلومة الى إنسان من غير أن يكلمه، بل يلقيها في روعه فتصبح كما الفطرة الأولى، محركة للفعل من غير إخضاعه لسلطان العقل.
إننا نحب نبينا لفضله وعظيم قدره، ولا ينتقص من ذلك كونه إنسانا تجري عليه سنن البشر.