حبس المَدِين وقانون الإعسار / سلامة الدرعاوي

حبس المَدِين وقانون الإعسار

حوارٌ ساخن يجري في المجتمع حول عدد من القضايا الاقتصاديّة ذات العلاقة بالأمن الاقتصاديّ للمواطن على رأسها منع حبس المَدِين والتعثر الحاصل لعدد من رجال الأعمال الذي غادروا البلاد خوفا من عقوبة الحَبس المفروضة بالقانون.
الجدل الحاصل في الحِوار هو ظاهرة صحيّة، مع أن الجميع مُتفق على الحِفاظ على حقوق الدائن، لكن الخلاف يَبقى في الشكل والتنفيذ.
إذاً هناك قضيتان تَهمان الشارع: الأولى تتعلق بوجود آلاف الموقوفين على قضايا ماليّة لم يستطيعوا سدادها لأسباب مُختلفة لا مجال لذكرها اليوم، والبعض يُطالب بإلغاء عقوبة الحبس لأنها تتنافى مع المواثيق الدوليّة وغيرها من الأمور التي يُنادي بها أصحاب هذا الاتجاه.
في المقابل يرى الدائن أن حقوقه الماليّة قد تضيع، لأنه لا يوجد اليوم رادع للمَدِين سوى عقوبة الحبس لدفع الأموال المُستحقة عليه.
الدائن ضد فكرة إلغاء عقوبة الحبس لأنهم يرون أن أموالهم ستضيع عليهم بسبب عدم وجود أي رادع قويّ في دعم تحصيلها، ناهيك من أن غالبية المُعاملات الاقتصاديّة تتم اليوم في الأسواق بواسطة الشيكات والتقسيط، وبالتالي إلغاء حبس المَدِين سيوقف العمل بهذا الأمر، مما سيكون له أثر سلبيّ كبير على العمليّة الاقتصاديّة.
لكن هناك صوت مُعتدّل بدأ يظهر في هذا الأمر وهو ينادي بالتدرّج في تطبيق مبدأ عدم حبس المَدِين، والبدء بتصنيف الديون المُستحقة على الدائنين بأن تكون عملية منع حبس المَدِين لا تشمل في المرحلة الأولى المبالغ التي تقلّ عن الفي دينار ولا تزيد عن أربعة آلاف دينار على سبيل المثال، نظرا للكُلفة المرتفعة والتي تُقدّر بحوالي 750 دينارا شهرياً.
التدرّج في مسألة منع حبس المَدِين وتصنيف المُستحقات قد يكون ضرورة في المراحل الأولى لأن العمليّة ليست فقط محصورة بعملية الحبس أو لا، لكن هناك مُتطلبات في منظومة التعاملات الماليّة يحب أن يجري العمل على تطويرها وتعديل أنظمتها كحزمة مُتكاملة مثل مفهوم الشيكات والكمبيالات وغيرها من القضايا التي تتطلب تحديث آليات ومفاهيم عملها.
القضية الثانية تتعلق بما يدور في المجتمع وتسمعه بشكل كثيف في الفترة الأخيرة من هروب رجال أعمال متعثرين للخارج خوفا من عقوبة الحبس، وواضح أن الأمر في تزايد بالفترات الأخيرة ليطال بعض رجال الأعمال المرموقين الذين تعثرت أنشطتهم نتيجة لتراجع الأوضاع الاقتصاديّة وللاستهلاك مع تراكم المديونيّة المُستحقة عليهم.
خروج مثل هؤلاء رجال الإعمال بهذه الطريقة يعني ضياع حقوق الدائنين من جهة، وتوقف الأعمال من جهة أخرى، بمعنى انه لا يوجد احد يستفيد من هذه الظاهرة المقلقة، فالحقوق الدائنة ستضيع، ورجل الأعمال لن يتمكّنوا من إعادة نشاطه الاقتصاديّ بسبب التعثر وهروبه للخارج.
لدينا في الأردن قانون لمعالجة هذه الظاهرة السلبيّة ويوفر المرونة في التعاطي مع بيئة الأعمال المحليّة وتسمح بإعادة الحياة للنشاط الاقتصاديّ المُتعثر مع حفظ الحقوق الماليّة وهو قانون الإعسار.
قانون الإعسار تم تشريعه لحماية الدائن والمدين في ذات الوقت، إلا أنه لم يتم تطبيقه حتى اللحظة بحجة انه قد يكون هناك عملية نصب أو تهرّب من الدين، مع أن قانون العقوبات حدد مواد جرميّة أخرى لمعالجة هذه الحالات.
عدم تفعيل قانون الإعسار يعيق حركة التجارة وريادة الأعمال حيث أن المستثمر أو التاجر غير مستعد للمُخاطرة بأمواله لأن عدم وجود قانون إعسار مُطبق يؤدي به إلى السجن، وهناك شركات عالميّه كُبرى مثل جنرال موتورز، فورد، أعلنت إفلاسها وتمكّنت من إعادة هيكله مديونيتها وأعمالها واستمرت بالعمل والإنتاج والتوظيف بواسطة هذا القانون.
معظم رجال الأعمال الذين غادروا البلاد اغلقوا منشآتهم الاقتصاديّة وبالتالي أدى ذلك إلى ضياع فرص العمل وضياع حقوق الدائنين أيضاً، علما أن قانون الإعسار نافذ منذ تاريخ 2018/11/5 وقد تم تقديم عدد كبير من الطلبات في مُختلف محافظات المملكة وتم رفضها جميعاً دون استثناء.
جميع دول العالم لديها قوانين إعسار مُفعلّة ومنها أخيراً دول الجوار كالسعودية، وهناك شركات كُبرى استفادت منه مثل عملاق المقاولات الشركة سعودي أوجيه.
مُعظم القرارات تم رفضها للاستفادة من قانون الإعسار بسبب أن المستدعي لا ينطبق عليه صفة التاجر حيث حدد القانون صفة التاجر بالشريك في شركة التضامن أو المؤسسات الفرديّة والمعلوم أن معظم الشركات الحديثة هي شركات محدودة المسؤوليّة، مما يستوجب إعادة المعطل في القانون وإجراء التعديل اللازم لذلك.
بيئة الأعمال المحليّة وما شهده من جمود وتحدّيات يتطلب من الجهات المعنيّة توفير مرونة تسمح بتحويل هذه التحدّيات مع حفظ الحقوق بكافة الأطراف والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى