جَرسُ الانتخاباتِ وكلبُ بافلوفْ

جَرسُ الانتخاباتِ وكلبُ بافلوفْ
د. جودت سرسك

إنّ ظاهرةَ دراسةِ علم النفس وفروعِه تلقى استحسانا في عالم المدنيّة والبيئات المتحضّرةِ، والتي تحاولُ إعطاء الإنسانِ أولويَةً قصوى من حيث الدرسُ والتمعّنُ ومعرفة سلوكِه وأسبابه.
إنّ مِن أهمِّ التجاربِ الشائعة في علمِ النفس‘ هي نظرية الإشراط الكلاسيكي وتجربةُ ألبرت الصغير، والتي ما تزال تلقى استحساناً وتعتبرُ مرجِعا لدراسةِ السلوك الإنساني.
تقومُ تجربةُ الإشراط الكلاسيكي لصاحبها إيفان بافلوف‘ على الربط بين سلوك الكلب والمثيرات الخارجية، في ثلاث مراحلَ من خلال ملاحظة سيلان لعابه عند تقديم الطعام له،ففي المرحلة الأولى يتمُّ تقديم الطعام للكلب فيبدأ لعابه بالسيلان وتسمى هذه الاستجابة بغير المشروطة فهي ظاهرة طبيعية.
أمّا في المرحلة الثانية والتي يتمّ فيها تقديم الطعامِ وإقرانه بمثيرٍ طبيعي، مثل صوت الجرس ممّا يترتب عليه سيلان اللعاب أيضا ،ثمّ يتم في المرّة الثالثة تقديم الطعام بدون طعام، والاكتفاء بصوت الجرس ممّا يترتب عليه سيلان للعاب ،فقد اعتاد الكلب على صوت الجرس ولا بدّ أن يقترن الصوت بالطعام ،ولا يمكن فكّ هذا الإقران إلا بعد مائة مرّة من سيلان لعابِه على صوت الجرس وحده بدون طعام ،لحين أنْ يكشفَ الكلبُ بفطرته أنّ جهازه البيولوجي بحاجةٍ لإعادة برمجة.
إنَّ ظاهرة الانتخاباتِ تشبه إلى حدِ التطابق إصرارَ الناخبِ على سيلان لعابِه لمجرد سماع الجرس ،أو سماع صوت الخمسين الهاشمية أو صوت قرع المناسف وموائد الكنافة ،أو النخوة للعشيرة والمُحسِنِ والمتنفّذ طلباً لوظيفةٍ جامعيةٍ أو بعثةٍ خارجيةٍ أوالحصول على وديعة بنكية خفية لمؤسسة هامشية.
والمقام محفوظ للجميع وإنْ كان الكلبُ رمزَ استفزازٍ- لا سمح الله- لأحدٍ ،فقد أجرى بافلوف وسكنر وثورندايك وكوهلر تجاربَهم على الفئران والحمام والقرود وتحدثوا عن نظريات تعلّم أخرى تفسّرُ ظاهرة الإصرار على الانتخابات الشكلية بعيدا عن نظرية الاشراط الكلاسيكي والتي ارتبطت بالكلاب، فقد تحدّثوا عن التعلّم بالاستبصار وأنّ الانسان بطبيعته مكتشف لذاته وسلوكه ولا يخضع لظاهرة جوعِ المعدة والجهازِ العصبي القسري.
أمّا عن ظاهرة تعميم الانتخابات وتكرار السلوك نفسه ،من حيثُ بروز العصبية للمرشح ،وحضور منصات المرشحين والمال السياسي، وفرحة إجازة يوم العرس الوطني، ولون الحبرعلى إبهام اليد الذي يفوح حبّاً وانتماء للوطن، فقد حاول علمُ النفس توضيحَ نتائجِ هذا السلوك من خلال تجربة ألبيرت الصغير.
تمّ تعريض الرضيع ألبرت ابن التسعة أشهر لتجربة اللعب مع الحيوانات مثل الفأر والأرانب وكلّ المجسّمات ذات الفرو الأبيض والأسود حيث كان يبدي الضحك والمرح دون خوفٍ أو جفول.
تمّ إقران اللعب مع الفأر في كلّ مرة بصوت صاخب من مطرقة فولاذية ،ممّا أثار رُعبَ ألبرت في كلّ مرةٍ يلامس فيها فأرا أو أرنبا.عندما قرّر صاحب التجربة فكّ الإقران بين الفأر والصوت الصاخب استمرّ ألبرت الصغير بالبكاء ورفض اللعب مع الفأر حتى مع سماع الموسيقى ،والغريب في التجربة أنّ ألبرت عمّمَ المثيرَ بحيث صار يبكي لكلّ شيءٍ له فراء، ويرفضُ لمسَه ،لمجرّد رؤيتِه بدون صوتٍ صاخب.
إنّ الانتخاباتِ في كلّ دورة تُحيي فينا ألبرت الصغير وتكشفُ عن مكنونات النفس وأنّ القرار ليس بيد العقل وإنّما بيدِ صاحب القرار.
إنّ الطفل الصغير ما يزال خائفا من نتائج مجالس النوّاب وما يزال صوت مطرقة الضرائب ورفع الخبز وقرارات الفساد وتشريع الفساد حائلاً يحول بينه وبين اللعب مع أرنب الحكومة.
J_sh_s@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى