جيشُ الدولة ينهارُ ودولةُ الجيش تفشلُ

في ظلال #طوفان_الأقصى “82”

جيشُ الدولة ينهارُ ودولةُ الجيش تفشلُ

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

الكيان الذي قام ونشأ على #الجيش، وتأسس بقوة #العصابات_الصهيونية والمنظمات الإرهابية، ولقي دعماً من الدول الاستعمارية الكبرى، التي أهلته ودربته، وسلحته ومولته، وأشرفت عليه وساندته، وأشركته في مناوراتها العسكرية، وأغنته بكبار الضباط والخبراء والمستشارين، وزودته بالتقانة العسكرية والقدرات التصنيعية، ومكنته من بناء ترسانته النووية وتصنيع قنابله النووية، حتى أصبح الجيش الأول في المنطقة، والأقوى في المحيط، والأكثر تفوقاً والأشد ردعاً، والأسرع حسماً والأطول ذراعاً، مما جعله فخر الإسرائيليين جميعاً ومحل ثقتهم، ورمز وحدتهم وعنوان اجتماعهم، والذي عليه يجتمعون، وله يدينون، وبه يثقون، وإليه ينتسبون، وفي سبيله يضحون ومن أجله يتنازلون، وللخدمة في صفوفه يتسارعون، وفيما بينم يتنافسون.

لم يعد الجيش الإسرائيلي محط ثقة الإسرائيليين فقط، بل أصبح مثار إعجاب الدول الاستعمارية الكبرى، التي وثقت فيه وأملت كثيراً في جهوده، وركنت عليه واطمأنت إلى قدراته، وأوكلت إليه الكثير من المهام التي كانت تقوم بها بنفسها، بعد أن رأت قدراته الضخمة، وإمكانياته الكبيرة، وانتصاره الحاسم على ستة جيوش عربية، وسيطرته على أجزاء واسعة من أراضيها، خلال حربٍ سريعةٍ خاطفةٍ، دمر خلالها الجيوش العربية وكسر شوكتها، وأخضعها لشروطه وألزمها حدوده، الأمر الذي شجع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية لزيادة مساعداتها العسكرية، وفتح المجال واسعاً أمام الإسرائيليين لاكتساب الخبرات، والمشاركة في المناورات، والاستفادة من التجارب، وتطوير الأسلحة والمساهمة في صناعتها.

وهو لم يكن يوماً كياناً مدنياً وإن ادعى أنه دولة ديمقراطية، أو تظاهر بالحداثة والحضارة، وترأسه أو قاد حكومته مدنيون وعلمانيون، أو متدينون وقوميون، فقد كان الجيش دوماً محل اهتمامم وموضع رعايتهم، به يفتخرون وعليه يعتمدون، فكل مستوطنيه يحملون السلاح، وينتسبون إلى الجيش، ويخدمون فيه ويقاتلون في صفوفه، ويتلقون جميعاً تعاليم دينية وتوجيهاتٍ سياسية، تواراتية وتلمودية وأخرى عنصرية، على أيدي حاخامات الجيش وقادته، يدعون فيها جيشهم إلى القتل وسفك الدماء، والحرق والدمار، وألا تأخذهم رأفةٌ بطفلٍ صغيرٍ أو شيخٍ كبيرٍ، وعلى هذه التعليمات والتوجيهات نشأ جيشهم على أسنة الحراب يقتل، ومن خلف الحصون يقصف، وبحبلٍ من الناس يستقوي ويبطش.

ظن الإسرائيليون أن جيشهم سيبقى الجيش الأسطورة الذي به يتغنون، والقوة العظمى التي بها يفخرون، والعصا الغليظة التي بها يؤدبون، والقدرة التدميرية التي بها يروعون، وسيبقى في المنطقة كلها على مدى الزمن ودون منازعٍ، مسيطراً مستعلياً، وغالباً منتصراً، ورادعاً ضارباً، وسيخضع الدول وحكوماتها، وسيرهب الشعوب وأبنائها، وسيخيف المقاومة وحركاتها، وأن أحداً لن يقوى على منازلة جيشهم، أو الوقوف في وجهه، والصمود أمامه، أو تحدي إرادته وتعطيل مسيرته، أو التفكير في إبطال خططه وإحباط مشاريعه.

لكن ثقة الإسرائيليين بجيشهم قد تراجعت، وآمالهم فيه قد خابت، ورهانهم عليه قد سقط، ولم تعد لدى غالبيتهم الرغبة في الالتحاق به والقتال في صفوفه، إذ تراجعت الدافعية الوطنية نحوه، وبات جنود وضباطه يتفلتون منه ويتمنون عدم القتال معه، وغيرهم يختلق الأعذار ليهرب، ويبحث عن الذرائع لئلا يخدم، فقد كثرت فيه الخسائر، وتوالت الفضائح، وسقط المئات من جنوده وضباطه قتلى وجرحى، وأصيب الكثير منهم بصدماتٍ نفسية وهستيرية وهلوسة، وفقد الجيش الثقة بقيادته العسكرية وشكك فيهم، وفقدت قيادته العسكرية الثقة بقيادة الكيان السياسية واختلفت معهم، وتبادلا الاتهامات والانتقادات بأبشع الصفات وأقذع الكلمات، وأخذ كلٌ يحمل الآخر المسؤولية ويتهمه بالتقصير، ويلقي باللائمة عليه، ويصر على محاسبته ومعاقبته.

فشل جيشهم المدعي القوة والتفوق في حمايتهم، وعجز عن صد الهجوم عليهم، ولم يتمكن من التنبؤ بالأخطار المحدقة بهم، أو الإحساس بنوايا المقاومة حولهم، ولم يستطع على مدى أكثر من تسعة أشهر، من استعادة الردع وتحقيق النصر، وإنجاز المهام التي أعلن عنها، والأهداف التي صرح بها، وبات يتخبط في خطواته، ويتعثر في حركته، ويقدم رجلاً ويتراجع عشراً، ويدعي النصر ويحصد الخيبة، ويخدع نفسه بالغلبة والتطهير، ويقع في شر أعماله في شراك المقاومة وفخاخها، التي سبقته رغم تفوقه ومحدودية إمكانياتها، وتغلبت عليه رغم قصفه الجوي والمدفعي وقلة تحصيناتها، وكبدته خسائر ما كان يتوقعها، وكلفته ما لا يستطيع تحمله أو مواصلة القتال في ظله.

استطاعت المقاومة الفلسطينية واللبنانية الباسلة، التي واجهته مباشرةً، وقاتلته وجهاً لوجهٍ من نقطة الصفر، أن تنزع عن الجيش الإسرائيلي ورقة التوت التي كان يستر بها عورته، ويغطي بها سوأته، فانكشفت حقيقته، وظهرت صورته، وعرف شعبه عجزه، وأدرك حلفاؤه ضعفه، وغدا حائراً لا يعرف ماذا يريد، وعاجزاً لا يستطيع أن يحقق ما يتمنى، وضعيفاً لا يقوى على مواجهة المقاومة، مما دفع قادته إلى الاعتراف بصعوبة المعارك التي يخوضون، وقوة المقاومة التي يقاتلون، قبل الإعلان بعالي الصوت وبلسان الناطق الرسمي باسمه، استحالة القضاء على المقاومة، وصعوبة استئصالها أو استبدالها، إذ هي فكرة ثابتة وعقيدة راسخة، وروح تسري في الشعب ومقاومته، التي أوهنت قوة جيش الدولة فبدا أقرب إلى الهزيمة والانهيار، والتفكك والانكسار، وأضعفت دولة الجيش فغدت أقرب إلى الخضوع والإذعان، والاعتراف والتسليم.

بيروت في 20/6/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى