قفل السماء

مقال الإثنين 8-10-2018
قفل السماء
تلقّف بعض النواب قانون الجرائم الإليكترونية الذي أحيل إليهم من قبل الحكومة في نهاية الدورة الاستثنائية ، كما يتلقّف الظمآن كوب ماء بارد..بعض النواب كاد أن يقفز من مكانه وهو يدلي بمداخلته فرحاً بالقانون..ولو استطاع، لناقشه وصوّت عليه وأجازه في نفس اللحظة..لم أرَ في حياتي نوّاباً يفرحون لكبت الحريات وتقييد التعبير ومحاربة الإعلام كما يفعل نوّابنا ، لم أر أحداً يفرح بالتضييق والعبودية وعودة الدولة إلى الأحكام العرفية كما يفرح نوّابنا ..لأن بعضهم غارق حتى “شعر أذانه” بالفساد والتكسّب غير المشروع وحتى السقوط الأخلاقي فهو يريد ان يتغطّى بأي قانون حتى لو كان قانوناً من خيال…فالناشف فيهم مبلول لنصفه..ولذلك أي خيط يتدلّى فوق رأسه سيراه حبل نجاة..
قانون الجرائم الالكترونية غير أنه بقعة سوداء في تاريخ حريات المملكة ،بعد أن وضعت فيه بنود مطّاطة تُركت لتفسّر حسب المزاج والهوى ، فالكلمة التي يقولها فلان قد لا تفسّر على أنها تحضّ على الكراهية ،والكلمة التي يقولها فلان تفسّر على أنها تحض على الكراهية ، وبالتالي أي انتقاد لأي مسؤول أو وضع علامات استفهام على ثروته ستحضّ على الكراهية وسأحكم بهذه المادة سنة سجناًً..
أي مشاركة أو نشر صورة أو تعليق له علاقة بما سبق سوف يحاكم ناشرها أو ناقلها أو المعلق عليها في نفس العقوبة..
قلنا غير أن القانون بقعة سوداء في تاريخ الحريات..فمن المستحيل أن تقوم بحبس 10ملايين أردني على أرائهم وتعليقاتهم ، هذا فضاء مفتوح، تماماً مثل الهواء والأفكار في الرأس…هل تستطيع أن تضع نقطة جمركية في الجو تمنع الزكام والرشح؟؟
هل تستطيع أن تضع قفل على السماء، هذا جنون وتفكير “دونكيشوتي” بحت..هناك ألف طريقة للتعبير ولن تستطيع قوانين الدنيا منع الناس من النشر وتبادل المعلومة والتعليق عليها..فتيان صغار يستطيعون أن يغيروا العنوان الاليكتروني “أي بي أدريس”..ويختاروا مصدر المنشور من أي دولة في العالم وبإسم مستعار وقد يكون جاراً لوحدة الجرائم الاليكترونية ولا يعرفون ذلك…
ما الحل إذا كان هناك متضرر من النشر الاليكتروني ؟؟ الحل في قانون العقوبات الأردني فهو يحتوي على نفس المواد ويفي بالغرض..يعاقب على القدح والذم والتحقير والافتراء..ويأخذ كل ذي حقّ حقه..فلا داعي لقانون جديد سيغرق المحاكم بشكاوٍٍ لن تنتهي وهناك قانون يسدّ مكانه بالمواد والتجريم.
طيب جدلاً وضعتم القانون..ماذا عن تطبيقات الهاتف؟؟ الناس تتداول الخبر من خلال التطبيقات أكثر من مواقع التواصل..هل تستطيع تفتيش 20 مليون جهاز بالأردن كل يوم لتعرف على من يتحّدثون ومن يشتمون..وكيف يفضحون؟؟…وعلى من يتطاولون؟..

اتركونا من عقلية الستينيات في إدارة الأمور…يا سادة ، عالم مفتوح لا يستطيع أن يواجهه عقل مغلق!!

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى