دولة يهودية ودول فلسطينية / د.رياض ياسين

دولة يهودية ودول فلسطينية

دولة يهودية احادية في غرب النهر طرح ليس مستغربا على حكومة يمينية متطرفة لاتؤمن الا بأن شعبا وحيدا على هذه الارض يستحق الحياة،فهذه المقولة تشكل نكبة جديدة يعيشها الفلسطينيون مع مرور ذكرى النكبة قبل ايام في ظل الانقسام السياسي العمودي بين كيانين يشكلان مشروعين لدولتين مفترضتين ربما هما فلسطينيتان.

تغرق الاراضي الفلسطينية في بحر فوضى السياسة والنزاعات المحلية وسطوة الخلاف الايدولوجي،فكيف سيقيم الفلسطينيون دولتهم في الضفة الغربية على اقل من اربعة في المائة من جغرافيتهم التاريخية وسط كل الحواجز الاحتلالية المصطنعة من كتل اسمنتية استيطانية وجدار فصل عنصري وحواجز عسكرية هذا في مشروع دولة الضفة الغربية،أما مشروع دولة غزة فهناك إرهاب الدولة العسكرية والتعبأة الاعلامية والايدولوجية ضد مشروع قيام دولة دينية فلسطينية في غزة بقيادة حماس.

تعاود حكومة نتنياهو طرح أجندة أحادية لتقرير مصير الشعب الفلسطيني بعيدا عن استحقاقات تاريخية والتزامات دولية واتفاقات ثنائية تم تجاهلها تماما في تحد صارخ لكل المواثيق والاعتبارات والالتزامات الدولية. والاسئلة التي يمكن طرحها في هذا المقام كثيرة،من الذي سمح لحكومة نتنياهو الحالية تقرير مستقبل الفلسطينيين؟ ثم من سيتعاطى مع دولة يهودية غريبة في حال قيامها إذ لطالما رفضت فكرة قيام دولة دينية في منطقة ما يسمى الشرق الاوسط ليس من الدول الغربية العلمانية فحسب بل من الدول العربية المحيطة ايضا لأنه لايوجد في قاموس السياسة شكل لدولة”يهودية”؟هذا معناه ان الدولة اليهودية ستكون دولة دينية بالضرورة، ثم كيف ستقوم دولة يهودية أحادية الثقافة في محيط مغايرثقافيا ودينيا بالمطلق؟ وهل ستكون دولة اسرائيل خلف جدار الفصل العنصري هي آخر فصل لهذه الدولة التي كانت ولاتزال غير محددة الهوية الجيوسياسية، فهل هذا الطرح الايدولوجي اعلان قيام دولة جديدة فالمعلوم أن دولة اسرائيل هي بالاساس دولة علمانية؟ وإذا كانت هذه الحكومة الاسرائيلية غير معنية بوجود شريك فلسطيني ودولة فلسطينية فلماذا تضع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الاشتراطات تلو الاخرى خلال المفاوضات وتفترض أنه لاحاجة لقيام دولة فلسطينية جديدة لأن الدولة الفلسطينية لطالما هي موجودة خارج الضفة الغربية وقطاع غزة؟

لقد كانت فكرة قيام الدولة الفلسطينية”المشروع” على ارض الضفة الغربية وغزة حاضرة في الخطاب السياسي العربي والاسلامي وحتى الفصائلي الفلسطيني بمن فيهم حماس والجهاد اللتين لاتعارضان هذا المبدأ ،وهذا ما كان سائدا قبل الانقسام الفلسطيني ،فقد كان الخلاف الفلسطيني الفلسطيني على شكل الدولة وطابعها الايدولوجي وليس على فكرة الدولة وامتدادها في فضاء جغرافية الضفة الغربية وقطاع غزة.والان الخلاف على اشده بين مشروع دولتين على منطقتين جغرافيتين منفصلتين،واحدة في الضفة والاخرى في غزة.صحيح ان حكومة الضفة ومشروع الدولة فيها أقرب الى القبول الدولي والتعاطي مع الاسرائيليين،الدليل أن المجتمع الدولي يفضل دعم تيارات فلسطينية وشخصيات لديها طرح علماني ليبرالي بالنسبة لفكرة قيام دولة فلسطينية على الارض الفلسطينية في الضفة الغربية مع تفضيل عزل قطاع غزة.

المفارقة أن اسرائيل التي تبيح لنفسها من خلال حكومة متطرفة إقامة دولة يهودية،هي بالضرورة ستكون دينية،ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية علمانية كما هو واضح في مشروع دولة الضفة الغربية،ونجدها أكثر شراسة في رفض مشروع دولة فلسطينية في غزة، فهي بهذا المعنى تشطب المشروع الوطني الفلسطيني تماما من أجندة المستقبل السياسي للمنطقة والحكم على الفلسطينيين أن يسلموا بانهم لن يحظوا بوجود دولة لهم على أرضهم التاريخية في إشارة الى أمكانية ان يبحثوا عن وطن لهم في مكان آخر ،فاسرائيل من خلال حكومتها المتطرفة تبيح لنفسها ما تستنكره على الاخرين،وصدق الشاعر العربي إذ يقول:

حلال على بلابله الدوح حرام على الطير من كل جنس

حكومة اسرائيل الحالية تريد انتاج فكرسياسي جديد من خلال طرح نموذج أكثر تطرفا من الفكر الصهيوني التقليدي الذي تم تجاوزه تماما عندما قبل ساسة اسرائيل الانخراط في عملية سلام على الاقل منذ مطلع التسعينات،فهم روجوا أن عملية السلام تعني بالنسبة لهم تقديم تنازلات مؤلمة، لأنهم سيضطرون للتخلي عن حلمهم الابدي في إقامة دولة لهم تمتد افقيا وعموديا على حساب”الجوييم”،وإذا كان نتنياهو الذي رفض في العام 1996 قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل في زخم عملية السلام في حينها،فهو اليوم لن يقبل حتما فكرة قيام دولة فلسطينية الى جوار دولة اسرائيل سواء في الحدود الجنوبية اعني في غزة أو في الحدود الشرقية في الضفة الغربية مع الانتباه الى ان حدود اسرائيل”الدولة” ما زال غير مقنن.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى