
#جسور #المستقبل عبر تعزيز #منظومة_التعليم_الدولي
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
يشكّل استقطاب الطلبة الدوليين في الجامعات الأردنية ركيزة محورية في بناء حضور أكاديمي عالمي يعزز مكانة التعليم العالي ويكسبه دورًا يتجاوز حدود القاعة الدراسية نحو تأثير اقتصادي وثقافي وسياسي طويل المدى. وتبرز جامعة اليرموك نموذجًا مهمًا في هذا المسار من خلال سعيها المتواصل لفتح أبواب الحرم الجامعي أمام طلبة من مختلف الدول والثقافات، بما يضيف قيمة نوعية لبيئتها الأكاديمية ويثري التفاعل المعرفي داخل قاعاتها. هذا التنوّع يتيح للجامعة فرصًا واسعة لتطوير علاقات ممتدة مع البلدان التي ينتمي إليها الطلبة، ويمنح الأردن شبكة متنامية من السفراء الثقافيين الذين يحملون معهم بعد تخرجهم تجربة إيجابية تنعكس في علاقات تعاون وبناء مستقبلية.
يسهم الطلبة الدوليون في تنشيط قطاعات اقتصادية عديدة باعتبارهم جزءًا من منظومة “السياحة التعليمية” التي تشهد إقبالًا متزايدًا عالميًا. فالرسوم الجامعية والسكن والمواصلات والخدمات اليومية كلها تشكّل قيمة مضافة للاقتصاد المحلي وتعطي الجامعات قدرة أكبر على الاستثمار في تطوير برامجها وبنيتها الأكاديمية. وتشير بيانات وزارة التعليم العالي إلى ارتفاع أعداد الطلبة الدوليين الملتحقين بالجامعات الأردنية، وهو ما يعكس ثقة متنامية بالمؤسسات التعليمية وبالاستقرار الذي يقدّمه الأردن كوجهة تعليمية آمنة ومتنوعة. وتدعم جامعة اليرموك هذا التوجه من خلال توسيع خدماتها للطلبة غير الأردنيين، وتوفير بيئة تساعدهم على تحقيق الاستقرار الأكاديمي والاندماج الاجتماعي منذ لحظة وصولهم.
يمتد أثر الطلبة الدوليين إلى البعد الثقافي والإنساني، حيث يشكل حضورهم في الجامعات فضاءً للتنوع والحوار وتبادل الخبرات. فالطالب الدولي لا يضيف خبرة معرفية فحسب، بل يأتي بثقافته وقيمه ورؤيته للعالم، ما يخلق مساحة لتفاعل إنساني يرسخ قيم التفاهم والانفتاح. وتصبح الجامعة، خصوصًا جامعة اليرموك، نقطة التقاء حضاري مهمّة تعزّز قدرة الطلبة المحليين على فهم العالم من حولهم وتطوير مهارات التواصل بين الثقافات، وهي مهارات مطلوبة بشكل كبير في سوق العمل العالمي. كما يساهم هذا التعدد في تعزيز السمعة الدولية للجامعة ورفع تنافسيتها وجاذبيتها كوجهة تعليمية، وخاصة بعد تطوير منصات لاستقطاب الطلبة ونظام قبول أكثر مرونة يراعي ظروف المتقدمين من مختلف الدول.
وعلى الرغم من هذه الفوائد، يواجه الطلبة الدوليون مجموعة من التحديات التي تستوجب منظومة دعم مؤسسية متكاملة. فالتأخر في صدور الوثائق أو المشكلات المتعلقة بالتأشيرات وتسجيل المواد قد يؤدي إلى تعطل انتظامهم في الدراسة منذ الأيام الأولى، وهو ما يستدعي مرونة أكاديمية مسؤولة تضمن الحفاظ على جودة التعليم وفي الوقت نفسه تمنح الطالب فرصة حقيقية للالتحاق بمساقاته دون تأخير. كما أن اختلاف الأنظمة التعليمية بين بلد الطالب وبيئته الجديدة قد يخلق فجوة في الفهم أو سرعة التكيّف، ما يجعل الإرشاد الأكاديمي وتفعيل ساعات المكتب والمجموعات الطلابية ضرورة أساسية لتعويض أي فاقد تعليمي وتحقيق اندماج إيجابي في البيئة الجامعية.
ويظهر جانب آخر من التحديات في الاندماج الاجتماعي، إذ قد يواجه بعض الطلبة شعورًا بالانعزال أو صعوبة في تكوين شبكة علاقات جديدة في مجتمع مختلف ثقافيًا ولغويًا. وهنا تبرز أهمية تعزيز الأنشطة الطلابية المشتركة، وبرامج الأقران، والفعاليات التي تمنح الطلبة فرصة للتفاعل الطبيعي واكتشاف البيئة المحيطة بهم. كما يعد توفير سكن مناسب ودعم لوجستي من أهم عناصر الاستقرار التي تحدد انطباعات الطلبة في أسابيعهم الأولى، وهي الفترة الأكثر حساسية في تشكيل تجربتهم الأكاديمية والإنسانية.
إن الاستثمار في الطلبة الدوليين يتطلب رؤية استراتيجية تتعامل مع هذا الملف لا باعتباره مصدرًا ماليًا فقط، بل كمسار للتأثير العميق والمستدام. فالطلبة الذين يغادرون الأردن بعد حصولهم على شهاداتهم يعودون إلى بلدانهم حاملين معهم تجربة تعليمية وإنسانية تشكل أساسًا لشبكات تعاون مستقبلية. وقد أثبتت التجارب الدولية أن الخريج الدولي يشكل جسرًا فعّالًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية وتسهيل الشراكات التجارية والعلمية والتقنية بين البلدين، ما يجعل العناية بتجربته منذ اليوم الأول جزءًا من سياسة خارجية ناعمة تعزّز حضور الأردن عالميًا عبر التعليم.
وفي هذا السياق، فإن الجامعات الأردنية مدعوّة لمواصلة تطوير منظومتها الحالية عبر تبسيط الإجراءات، وتعزيز التواصل، وإيجاد مسارات دعم أكاديمي واجتماعي تحوّل تجربة الطالب الدولي إلى تجربة ناجحة ومُلهمة. فكل طالب يصل إلى الحرم الجامعي يختبر في أسابيعه الأولى معنى الانتماء وجودة التنظيم وحسن الاستقبال، وهي لحظات تختصر الكثير من ملامح الأردن وتكوّن الانطباع الأول الذي سيحمله معه طويلًا.
وفي النهاية تبقى الرسالة الأهم أن تكون مكالمتهم الأولى إلى أهاليهم إيجابية، تحمل انطباعًا يعكس دفء هذا الوطن ورقي مؤسساته، وتجعل من تجربتهم الدراسية في الأردن نقطة تحوّل، لا في مسارهم الأكاديمي فقط، بل في نظرتهم إلى البلد الذي احتضنهم ومنحهم فرصة للتعلّم والانتماء.


