جريمة فرنسا العنصرية…. المقاطعة تجدي
أ. د أحمد العجلوني
من أكثر الأمور إيلاماً على النفس أن يهان مقدّس من مقدّسات الدّين وأساساً من اسسه، وفي هذه الحالة فلا يبقى للاعتبارات الدبلوماسية والمصلحية ولا غيرها أي اعتبار مقابل شعار “المنيّة ولا الدنيّة” الذي يتسيّد كل الأفكار الـ”العقلانية” ودعوات “الرشد” خاصة وأن مرتكب جريمة الإساءة قد تعمّدها وكررّها بالإمعان في إهانة رمز ما يقرب من ملياري مسلم وسيّدهم وعنوان شرفهم وكرامتهم بدون أي اعتبار لمشاعرهم ولا للمصالح ولا للدبلوماسية ولا قيم الاحترام والتعايش بين الشعوب. فلتذهب كل الأموال وكل المصالح وكل العلاقات إلى الجحيم بعد أن أسيء إلى سيّدنا محمد ﷺ خاصة وأن الإساءة جاءت على مستوى سياسة وسلوك دولة بقيادتها وأركان حكمها وإعلامها الرسمي وليس عملاً فردياً من رسّام أو كاتب أو غيرهم وحسب.
ومما يزيد الجرح إيلاماً خذلان النظام الرسمي (بمن فيهم علماء الدين؛ إلا النزر اليسير!) في الدول العربية والإسلامية لأمة الإسلام وسيّدها سواء بالصمت المريب أو ببيانات على درجة عالية من التذلل والجبن. حيث عوّدونا – بكل أسف- على الخذلان المتكرر للأمة وأبنائها في كل المحافل والمواقف. وحتى من “تجرأ” أو “تم استجراره” للتصريح فقد كان خوفه من ردة فعل “المتطرفين” وهمّه بأن لا تفسد العلاقات مع هذه الدولة العنصرية أكبر بكثير من غيرته على سيّدنا محمد ﷺ ومقامه الشريف. وهذا الخذلان والتذلّل هو ما جرّأ كلاب الشرق والغرب أن تنهش في جسد هذه الأمة.
بالنسبة لجريمة قتل المدرّس، فإنني لا أثق بالرواية الرسمية الفرنسية التي تحوم حولها الشكوك، وأشير لأهمية وجود تحقيق محايد بجريمة قتل المدرّس (والتي لا يقبلها أي مسلم) لعدة أسباب؛ منها الجو المسموم الذي عمل ماكرون وحكومته وإعلامه على إشاعته قبل الحادثة؛ وكيف تصرّفوا بعد الحادثة واستغلوه بإجراءات متطرفة ضد كل ما هو مسلم أبعد ما تكون عن الرشد وأقرب ما تكون إلى أحقاد القرون الوسطى. وكذلك تعمّد مدرّس تُفترض فيه الحكمة وتقدير طبيعة التنوع الثقافي بين طلابه اليافعين ألا يثير حفيظة المسلمين بهذا الشكل البشع الذي لا علاقة له بطرح رأي أو نقد فكر. وما يزيد الأمر خطورة أن السلوك الشائن للمدرّس القتيل اعتبر على أنه “تجسيد للجمهورية” حسب اعتراف رئيسها الأخرق.
وفيما يخص ظروف الجريمة ذاتها فإنه يجب أن يبيّن التحقيق المستقل كيف استطاع طفل (ذكروا بأن عمره 18 عاماً) التمكّن من شخص بالغ صحيح الجسم وأن يذبحه ويقطع رأسه! كما أن ظروف مقتل الطفل المتهم مريبة بدرجة كبيرة من حيث ربطه بالجريمة ومن حيث ظروف قتله. وكان الأولى بمن شجبوا قتل المدرّس بأن يسألوا بداية ًعن ظروف الجريمة ومأساة العائلة المسلمة التي فقدت طفلها في ظروف غامضة والانتهاكات العنصرية الرسمية ضد المسلمين بدل بذل دموع النفاق على أعتاب الحقود ماكرون. لا سيّما وأن “ثقافة” قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث ليست إلا جزءاً من تاريخ فرنسا القريب والبعيد بحق المسلمين وجزء من الفظائع التي يرتكبها ربائبها من أنظمة وتنظيمات مجرمة تعيث فساداً في بلاد المسلمين.
وبما أنه لا أمل من الرد الرسمي السياسي أو الديني لغالبية الدول الإسلامية بما يعبّر عن مشاعر أكثر من مليار ونصف من المسلمين الذين لا يملك سوادهم قوة إعلام ولا سياسة ولا قوة عسكرية لإنفاذ حكم الشرع بمن يسيء إلى مقدساتنا؛ فإن الباب لم يغلق أمام الأفراد للتعبير عن غضبهم، بل وإلحاق ما أمكن من الأذى النفسي والمادي لفرنسا العنصرية (ولا أقول المسيحية) سواء بالتظاهر أو من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. ومن أكثر الطرق تأثيراً المقاطعة الاقتصادية من خلال مقاطعة المنتجات الفرنسية؛ خاصة ما يتواجد لها بديل محلي أو عربي أو إسلامي.
فهذه الدولة تحسب حساباً لليورو الواحد أكثر مما تحسب لألف بيان رسمي للشجب (إن وجد أصلاً!). وأقول للذين يقللون من حجم المقاطعة وتأثيرها وأننا لن نستطيع الاستغناء عن منتجاتهم أقول إن هناك بدائل محلية وعربية لأغلب منتجاتهم إن لم يكن كلّها، وأنه على الرغم من أن هذه الشركات لا تفصح عن حجم خسائرها المباشرة نتيجة المقاطعة؛ فإنها تتأثر فعلاً بشهادة الكثيرين ممن يعملون في هذه الشركات ويسرّون بهذا الكلام في مجالسهم الخاصة. وحتى لو سلّمنا جدلاً بمقولة أننا لن “نكسر اقتصاد فرنسا” كما يشيع المخذّلون؛ فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله، ونكون بذلك قد أعذرنا إلى ربنا ولم نصمت على المهانة وعملنا بمبدأ “لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها”. ولو استطاع أي منّا أن يخفض مبيعات الشركات الفرنسية بدينار فهو فعل إيجابي وتعبير رمزي عن غضبنا نصرة لنبينا وديننا. فضلاً عن أن هذه المقاطعة تؤثر فعلياً وبشكل كبير على مبيعات منتجات هذه الدولة والشركات الفرنسية. وهذا ما أفصحت عنه البيانات الرسمية الفرنسية بعد يومين فقط من إعلان المقاطعة من ناحية تخوفها من المقاطعة الاقتصادية.
وإنه مما يشرح الصدر ما نتابعه من مواقف مشرّفة لكثير من التجّار وأصحاب المؤسسات الاقتصادية في الأردن الذين استجابوا بشكل كبير لدعوات المقاطعة؛ وكانوا في الطليعة من الدول العربية والإسلامية التي عبّرت بشكل قوي عن غيرتها على رمز عزّتها وكرامتها نبي الله ﷺ، وذلك على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرّون بها بسبب الكورونا وما قبلها. فهؤلاء تحيّزوا لدينهم وشرفهم وكرامتهم وتاجروا مع الله ومع وطنهم.
حفظ الله الأردن؛ حرّاً آمناً مزدهراً