#سمر الزعبي
تفرّقت الدّيدانُ عن الجثّة، ولم تخترقها، رغمَ أنّ الجثّة اعتنت بمظهرها جيّدًا، وفردت الـ (كريم) المرطِّب على بشرة جسمها ليبدو طريًّا نَضِرًا ما أمكن، ثمّ رشّت بودرة ناعمة تحت إبطَيها، وتعطّرت قبل الدّفنِ بقليل.
حسبت أنّ الدّيدان لن تقاوم منظرَ جلدِها الأبيض المـُشرّب بالحُمرة، فقامت من فورها بفكّ رداء الكفن، وبانت غضّةً شهيّة، لكنّ الدّيدان حامت حولَها، شمّتها ولعقتها، ثمّ فرّت بلا رجعة.
دودةٌ وحيدة -فقط- استطعمَتْ، فاستوطنتْ، وقضمت ما تيسّر من اللّحم بِنَهم، ثمّ انكفأت تنتظر شركاءَ في المسكن، لكنّ أحداً لم يعقبها، رغمَ أنّ الجثّة داومت على إصدار أصوات كلّما مرّت دودة، وكانت تنتفض أحيانًا؛ كي تجعلها تظنّ أنّها جثةٌ حيّة دُفنت حديثًا.
أُصيبت الدّودةُ بنوبات اكتئاب من الوحدة، فغادرت الجثّة، إلّا أنّها لم تتكيّف مع الدّيدان في ما بعد، فقد عامَلْنَها معاملةَ كائنٍ مُختلِف عمّا كانتْ عليه -قبلَ أن تستوطنَ الجثّة، إذ نما شَعرٌ على رأسِها، وأسفلَ بطنِها بقليل.
قرّرت أن تكتشف العالَم الخارجيّ، وتبحثَ عن أنيسٍ أيضًا، فشقّت التّراب نحوَ الأعلى، وصعدت إلى سطح الأرض، بكتْها الجثّةُ وهي تسلك طرُقًا متعرِّجةً، متخفّيةً كي لا تسقط فريسةً لكائناتٍ أخرجها الصّيفُ من مخابئها.
عاودت الجثّةُ سيرتَها في إغراءِ الدّيدان، تحرّكت بتناغُم، وجدلت شعرها الذي بات طويلًا للغاية كي لا يغطّي جسدَها الذي احتفظ برطوبته وبهائه على مرّ سنواتٍ انقضتْ، ولأنّ دودةً وحيدةً أحبّتها، صارت الجثث الجُدُد تناديها «جثدودة»، وراقَ هذا الاسمُ الجميع.
أمّا أنيستُها فقدْ مَخَرَتِ البحرَ على باخرةٍ عظيمة الهيكل، واستقرّت في جزيرة بعيدة، وأصبحت شهيرةً هناك، إذ إنّ شعرَها جعل منها «الدّودة المعجزة»، تزوّجت وصار لها أبناء تقصّ عليهم حكاية الجثّة التي كانت سببَ المجد.
بعدَ بضعِ سنوات قرّرت العودة، وغادرت المكان بحذاقة مقطوعة النّظير، حتّى لا يكتشفَ أحدٌ هروبَها من الأضواء، وعادت متشوِّقةً إلى موطنها الجثّة، التي أيِسَت من استعطاف الدّيدان، وهمدت قيدَ ذكرياتِها، وحين وصلت إليها، ألقت حقائبَ السّفر، وزحفت صوبَها مشدوهةً، إذ كان آخِر جزءٍ منها قد تحلّل للتّوّ.