#جامعة_اليرموك: #أزمة_متفاقمة و #مستقبل_مجهول
بقلم: أ. د. #عزام_عنانزة
جامعة اليرموك، الصرح الأكاديمي العريق الذي طالما كان منارة للعلم والمعرفة، تقف اليوم على حافة الهاوية. لم تأتِ هذه الأزمة من فراغ، بل هي نتيجة مباشرة لسوء الإدارة وضعف التخطيط وتراكم قرارات خاطئة قادت الجامعة إلى واقع مرير يهدد وجودها ومستقبلها.
المديونية الهائلة التي بلغت 78 مليون دينار تُعتبر أحد أبرز معالم هذه الأزمة، منها 72 مليون دينار للبنوك التجارية بفوائد مرهقة و6 ملايين دينار كديون داخلية. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل انعكاس لفشل واضح في إدارة الموارد واتخاذ القرارات الرشيدة. كيف لمؤسسة تعليمية بحجم جامعة اليرموك أن تصل إلى هذا المستوى من التدهور؟
إيرادات الرسوم الجامعية، التي كانت تُشكل شريان الحياة للجامعة، تراجعت بشكل كارثي من 42.4 مليون دينار في عام 2020 إلى 25.6 مليون دينار في عام 2022، رغم الزيادة في أعداد الطلبة. هذا التناقض الصارخ يعكس عمق الأزمة الإدارية وغياب الرؤية الاستراتيجية. أما العجز المالي السنوي، فقد تضاعف من 2-3 ملايين دينار قبل عام 2021 إلى 11 مليون دينار في عام 2024، مع توقعات بوصوله إلى 12 مليون دينار في عام 2025.
الجامعة، التي كانت يومًا نموذجًا يحتذى به، أصبحت الآن غارقة في دوامة من الفشل الإداري. التعيينات القيادية تتم بناءً على الولاءات الشخصية وليس الكفاءة، مما أدى إلى تعزيز الشللية وإقصاء الكفاءات، وترك الجامعة تائهة في غياب قيادة قادرة على مواجهة التحديات.
البحث العلمي، الذي يُفترض أن يكون القلب النابض للجامعة، تم تهميشه بفعل التشريعات المعيقة وغياب الحوافز والدعم. أين دور جامعة اليرموك في الابتكار وإنتاج المعرفة؟ أين مكانتها كمنارة علمية؟ لقد أصبح البحث العلمي مجرد عنوان بلا مضمون، نتيجة لإدارة لا تعي أهمية الاستثمار في العقول والمواهب.
التدهور لم يقتصر على المال والإدارة فقط، بل امتد ليشمل البنية التحتية للجامعة. المختبرات، الوحدات الصحية، أجهزة الحاسوب، وحتى الشبكات الأساسية أصبحت في حالة يرثى لها. هذا الانهيار المادي جعل الجامعة أقل جذبًا للطلبة العرب والأجانب، ما أدى إلى فقدان موارد مالية هامة كانت ستساعد في انتشالها من أزمتها.
وفي خضم هذه الكارثة، تأتي المدرسة النموذجية التابعة للجامعة كشاهد آخر على سوء الإدارة. المدرسة، التي كانت مفخرة جامعة اليرموك، أصبحت عبئًا ماليًا ضخمًا. في ظل ازدهار المدارس الخاصة التي تحقق أرباحًا طائلة، تعاني المدرسة من خسائر سنوية ضخمة وتراجع حاد في أعداد الطلبة، الذين انخفض عددهم من 2900 طالب إلى 2000 طالب فقط.
كيف يمكن تفسير هذا التراجع؟ الإجابة تكمن في قرارات إدارية كارثية أدت إلى نقل الكادر التدريسي الكفؤ واستبداله بمعلمين يعملون بنظام المكافأة، مما أثر سلبًا على جودة التعليم ودفع الطلبة إلى مغادرة المدرسة. وعلى الرغم من الموقع المميز للمدرسة وسمعتها، إلا أن السياسات الخاطئة جعلتها عبئًا بدلًا من أن تكون مصدر فخر وإيرادات.
هناك فرصة لإصلاح المدرسة وإعادتها إلى مسارها الصحيح. من بين الحلول المقترحة فتح برنامج أجنبي موازٍ باستخدام المباني غير المستغلة مثل مبنى المطبخ، مما قد يُسهم في توفير إيرادات مالية كبيرة للجامعة. رسوم البرامج الأجنبية في مدينة إربد تصل إلى 4000 دينار سنويًا للمرحلة الثانوية، فهل يمكن لجامعة اليرموك استغلال هذه الفرصة؟
اليوم، تحتاج جامعة اليرموك إلى ثورة إدارية حقيقية، تبدأ بتعيين قيادة جديدة تتمتع بالكفاءة والجرأة، قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة لإنقاذ الجامعة من هذا السقوط الحر. هل يمكن لليرموك أن تعود إلى أمجادها، أم أن إدارة ضعيفة ستبقى تحكم مصيرها نحو المجهول؟
إنقاذ جامعة اليرموك ليس مجرد مطلب، بل واجب وطني. هذا الصرح الأكاديمي يستحق أن يبقى منارة للعلم والمعرفة، لا أن يصبح مثالًا على الفشل الإداري والتخبط. الكرة الآن في ملعب المسؤولين، فهل ينهضون للمسؤولية؟