“جاجات أم العبد ” ومؤشرات الاقتصاد الوطني
إياد سالم
اعتدتُ في رحلتي اليومية من عمان إلى الزرقاء أن أسلك الطرق الخارجية هربا من الأزمات التي باتت علامة فارقة في معظم شوارعنا، وفي كل مرة أمرّ بها من أم رمانة – وهي قرية وادعة تربط بين بيرين وعمان – و أقصدها تحديداً لشراء الأجبان والبيض البلدي من بيت أم العبد المرأة الريفية المثابرة -والتي تذكرني بعبق الماضي ، فكم ينساب شلال الوقار على وجنتيها ، وتفوح رائحة عبقة من كفيها المحناة بحرفية عالية- و بالمناسبة تمكنت أم العبد من تأمين دراسة جامعية لأبنائها الثلاث من خلال بيع البيض البلدي والأجبان والسَمن للمارين يومياً من أمام بيتها المتواضع .
على الصعيد الشخصي لا زلت أؤمن أن الأطعمة المحضرة منزليا لها مذاق خاص – وتعريف كلمة مذاق هنا قد يتجاوز حاسة التذوق الى ما بعد ذلك من معاني الشوق والحنين- .
وفي زيارتي الأخيرة تفاجأت بأن أم العبد لا تجلس على بابها كالعادة ، فساورني الشك وقررت إيقاف سيارتي، والاطمئنان عليها .
طرقت بابها فردت مرحبة بي كعادتها ، وبعد جهود مضنية استطعت أن اهرب من إلحاحها المتكرر أن تستضيفني ” على المقسوم ” ، سألتها عن بسطتها مصدر رزقها، فاجأتني بقولها أنها أحالت نفسها على التقاعد منذ أكثر من شهر .
وسألتها عن السبب فردت بلهجتها: يا ميمتي بعد ما تكدس البيض بالقن ” جاجاتي ” مات نصهن .. يمكن من القهر ، والباقيات من قلة اهتمامي بيهن بطلّن يعطين مثل أول والعلف ماعاد سعره باليد ، و الي شرواك كان يشتري عشرين بيضة صار يشتري عشرة ، والي كان يشتري اربع بيضات صار يشتري بيضتين ، والي كان يشتري بيضتين يعملهن غدوة مع البندورة ما عاد يلاقي ، الدنيا يمّا مش بخير .
غادرت المكان وأنا شخصياً أميل إلى تصديق “جاجات ” أم العبد أكثر من تقارير تعافي الاقتصاد ومؤشرات انتعاشه التي تطل علينا بها حكوماتنا بين الحين والآخر.
#اياد_سالم