ثقالة دمّ بامتياز!

ثقالة دمّ بامتياز! / #يوسف_غيشان

جميعنا يعرف تلك المقولة العربية الأصيلة التي تقول :
” المستحيلات ثلاثة ، الغول والعنقاء والخلّ الوفي ” ، ومن الواضح أنّ مبتكري هذا المقولة لا يقصدون التشكيك في وجود الغول والعنقاء ، إنّما تمّ ذكرها من أجل تبيان مدى استحالة وجود الخلّ الوفيّ .
أمّا أنا فأشكك في التشكيك بإمكانية وجود الخلّ الوفيّ .. جملة معقّدة ، لكنّها تصلح لأنّ تكون مفتاحاً لكلام نتفق عليه معاً، إذْ رغم أنّ الكثيرين تعرّضوا لغدر بعض الأصدقاء ، أو بالأحرى تعرضوا لغدر من اعتقدوا بأنّهم أصدقاء (يحاسبوننا على سوء اختيارهم ) ، لكنّ هذا لا ينفي على الإطلاق إمكانية وجود الخلّ الوفيّ ، ولا يؤكّد استحالة هذه الإمكانية .
الخلّ الوفيّ ، الصديق المخلص موجود تماماً في حياة معظمنا ، إن لم يكن جميعنا ،وهذا يعني أنا بالنسبة إلى صديقي ، والعكس صحيح ، كما يعني أنت وهو وهي وهن وهؤلاء وأولئك . لكن تكرار تلك المقولة السابقة بأسى يمنحنا إحساساً وهميّاً بأننا أفضل من الآخرين ، وبأننا تعرّضنا للغدر من الأصدقاء ، وهذا الأسى يمنحنا شعوراً مزيّفاً بأنّنا أقرب إلى الملائكة من البشر ، لكنّ الآخرين لا يقدروننا حقّ قدرنا .. وهذا هراء في هراء في
هراء .
فلنسأل أنفسنا بصراحة ولنحاول الإجابة:

  • ماذا نريد من الخلّ الوفيّ ؟
  • هل نريد منه أن يتغاضى عن أخطائنا وخطايانا وهفواتنا، ويشعرنا أنّنا دائما على حقّ، بعكس الآخرين؟
  • هل نريد من الخلّ الوفيّ أن يتلقّى السهم أو الرصاصة عنّا ، حتى نعترف بوجوده في هذا العالم؟
  • هل نريد من الخلّ الوفيّ أن يحقّق أمنياتنا وأمانينا بينما نجلس نحن على جاعد الصداقة بانتظار قيام الصديق بكلّ ما ينبغي أن نفعله نحن ، كلّ ذلك لمجرّد أن نمنحه لقب ومنصب ” الخلّ الوفيّ ” ؟
  • هل نريد منه أن يناصرنا وينصرنا على الآخرين على طريقة
    ” غزية التي غوت ” ؟
  • هل نريد الخلّ الوفيّ حتى ” نضعه على يميننا ” ، حسب التعبير الشعبيّ ، ونخوض المخاطر ونحن على يقين بأنّ الخلّ الوفي لن يتخلّى عنا ؟
    يا أصدقاء ،
    إننا نحمّل الآخرين أكثر ممّا يحتملون ، لا بل إنّنا نحمّلهم ما لا نحمله ولا نتحمّله نحن من أجلهم (ولا حتى من أجلنا).. إنّها ثقالة دم بامتياز، مع سبق الإصرار والترصد، إنّها مطالب مستحيلة نطلب من خلالها خادماً ذليلاً، لا بل عبداً يخدمنا ويقوم بما نعجز نحن عن القيام به من أجل أنفسنا.
    يكفيني من الصديق أن أجده لنتجاذب أطراف الحديث ونشكو همومنا ونتبادل النصائح والملاحظات، ونلهو ونضحك معاً، ويعود كلّ واحد منّا إلى بيته وهو مسرور وممتلئ بالبهجة لأنّه تشارك مع الصديق آلامه وآماله وخفّف عن نفسه.
    يكفيني من الصديق أن ينتقدني ويكشف لي ما لا أعرفه من أخطاء أمارسها ، ولا أريد منه أن ( يطبطب عليّ ) ويتركني أقع في الخطأ مرّات ومرّات ، وأنا أحمل شهادة حسن سلوك مزيفة من الصديق المفترض.
    الصديق – يا أصدقاء-ليس ممثل بديل(دوبلر) يقوم مقامي في الولوج إلى الأخطاء والمخاطر ، بينما أنا مرتاح وأوزّع الألقاب والمدائح له، وهو غير مجبر على مرافقتي وموافقتي على الخير والشرّ .
    الأصدقاء الأوفياء موجودون في كلّ مكان، لكن علينا أن نهيئ أنفسنا لاكتشافهم، وأن نخفّف من مطالبنا، ونحترم خصوصيّاتهم وحقّهم في الحياة، كما يريدون، لا كما نريد نحن.
    علينا – أولاً – أن نحارب هذه المقولات الهاملة التي ترفض وجود الخلّ الوفيّ .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى