ثقافةُ العمل ” بتوجيهٍ من … “

ثقافةُ العمل ” بتوجيهٍ من … ”
موسى العدوان

بداية أتوجه بالشكر والتقدير لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ولجميع الكوادر الطبية، ولمن أدوا عملهم بكفاءة خلال الجائحة التي يواجهها الأردن هذه الأيام. ولكن مع هذا الأداء المتميز لتلك الشرائح من أبناء الوطن، لابد من الإشارة إلى بعض الهنات التي تركت خدوشا على سطح تلك الصورة البيضاء، التي تعبّر عنها ثقافة عمل بعض المسئولين ” بتوجيه من . . . “.

والتوجيه كما هو معروف في ثقافتنا الاجتماعية، يعني بأبسط مفاهيمه الإرشاد والتعليم. فهو يبدأ أساسا من المنزل، حيث يقوم الأب والأم بتوجيه أبنائهم وتربيتهم تربية سليمة، وصقل شخصياتهم بما ينفعهم ويخدم المجتمع بمختلف طبقاته، لكي يحقق الأهداف التي يصبو إليها. والتوجيه على المدى الأوسع يشكل ركيزة هامة في العملية الإدارية، التي يتولاها القائد أو الوزير أو المدير، لمساعدة العاملين في منظمته، على إنجاز العمل بكفاءة وزيادة إنتاجيته.

قد يأخذ التوجيه في البيئة المدنية أشكالا مختلفة، كالتوجيه السياسي، أو التوجيه الاقتصادي، أو التوجيه الديني والأخلاقي، أو التوجيه التعليمي والتربوي، أو التوجيه الاجتماعي، أو التوجيه النفسي، أو التوجيه الوقائي وغيرها. كثيرا ما نسمع اليوم في وسائل الإعلام من أحد المسئولين، أنه قام بعمل معين بتوجيه من مسئول أعلى منه، علما بأن ذلك العمل يقع ضمن اختصاصه ومن صميم عمله، ولا يحتاج إلى توجيه من مصدر أعلى. فهل هذا التعليل ناتج عن عدم معرفة المسئول بطبيعة عمله ؟ أم أنه يعرفه ولكنه يتخاذل أو يجبن في تنفيذه وتحمل مسؤوليته ؟ أم أنه يلجأ إليه كوسيلة للتزلف حفاظا على موقعه ؟

مقالات ذات صلة

اعتقد أنه في كثير من الحالات التي يتم الادعاء بها بتوجيه من مسئول أعلى، أن ذلك المسئول آخر من يعلم عن طبيعة ذلك التوجيه الذي نُسب إليه. فمثل هذه النوعيات من المسئولين يجب أن يغادروا مواقعهم لأنهم ليسوا أهلا للمسئولية ولا يستحقون إشغالها، طالما أنهم ينتظرون التوجيهات من غيرهم في أعمالهم الروتينية.

من المعروف أن الوزير أو المسئول قد تم تعيينه في المنصب، على افتراض أنه محط ثقة من عينه، وأنه ملمّ بطبيعة ذلك العمل، وقادر على إدارته ومعالجة قضاياه بحنكة وبعد نظر، دون الاعتماد على جهة أخرى تعينه. فالمرجع الأعلى يعطي توجيها عاما عند التعيين، وقد يعيد التوجيه في وقت لاحق إذا ظهرت أخطاء خلال ممارسة العمل، أو استجدت أمور غير مألوفة، تفوق قدرة مشغل الوظيفة، من أجل تصويب المسيرة نحو أهدافها المحددة. ولا شك بأنها نقيصة كبرى لصاحب الولاية، عندما يدّعي بأنه أدى عمله الاعتيادي بتوجيه من مصدر أعلى، فيكشف نفسه عاجزا عن أداء عمله أمام المراقبين ويخسر احترامهم.

أما في البيئة العسكرية فإن التوجيه، قد يكون تكتيكيا أو استراتيجيا حسب الموقف السائد. فالقائد على المستوى التكتيكي يصدر توجيهاته الخطية للقادة المرؤوسين لتحقيق أهداف مرحلية. وبدورهم يقوم القادة المرؤوسون بإصدار أوامرهم الخطية أو الشفوية، الأكثر تفصيلا إلى مرؤوسيهم، ليباشروا بتنفيذها كل حسب اختصاصه ومهمته. وفي هذه الحالة يقوم القائد الأعلى بمراقبة تنفيذ العمل، ويعيد التوجيه لتصحيح العمل إذا انحرف عن الخطة المرسومة.

وعلى المستوى الاستراتيجي فقد يكون التوجيه عاما لتحقيق أهداف حيوية على مستوى الوطن. والمثال على ذلك التوجيه الإستراتيجي الذي أصدره الرئيس السادات إلى وزير الحربية / القائد العام للقوات المسلحة المصرية، لشن حرب أكتوبر عام 1973، والتي شملت فقرتين فقط كانت لها عواقبها. فلا تسخّفوا كلمة ” التوجيه ” العظيمة أيها الوزراء والمسئولون، من خلال استخدامكم الخاطئ لها.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ختام هذا المقال هو: هل سيمارس الوزراء وكبار المسئولون بعد الآن، صلاحياتهم في تنفيذ أعمالهم الرسمية، متحملين مسئولياتها بكل ثقة وجرأة ؟ أم سينفذونها معززة بثقافة العبارة المعهودة : ” بتوجيه من . . . ” ؟ سننتظر لنرى ماذا تحمل الأيام القادمة من خطاباتهم العظيمة . . !

التاريخ : 17 / 4 / 2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى