تَقييم قرارات الحُكومة / سلامة الدرعاوي

تَقييم قرارات الحُكومة

غالبية السياسات والإجراءات الحكوميّة الاقتصاديّة هي محلّ جدل من قبل جميع أطراف العمليّة الاقتصاديّة، فبمجرد أن يَصدُرَ القرار الرسميّ حيز التنفيذ تتوجه أصابع الانتقادات تلوى الأخرى للقرار، فبعضها يُطالب بإلغائه وآخر بتأجيله.
الحُكومة وفي إطار تنفيذها للسياسات الاقتصاديّة والإجراءات التي تتبعها تنظر من منظور رئيسيّ بالدرجة الأولى إلى وضع الخزينة في نهاية المطاف وسبل معالجة عجز الموازنة وتلبية احتياجاتها التمويليّة المُختلفة، والأخذ بمبدأ الاستقرار الاقتصاديّ بالدرجة الثانية.
في المحصلة تبقى الحُكومة صاحبة الولايّة في تنفيذ قرارتها وهي المسؤولة عن تحقيق أهدافها، والعادة جرت انه في حال فشل تحقيق السياسات والإجراءات الاقتصاديّة للأهداف الماليّة لها، تلجأ الحُكومات في نهاية مدة تنفيذ القرارات إلى اِتباع سياسات أخرى وتبدأ من جديد سياسة الأخذ والرد لمدى نجاعة ما تقوم به على الصعيد الاقتصاديّ.
معظم السياسات الاقتصاديّة التي اُتبعت في السنوات الأخيرة كانت ضمن إطار اتفاق الأردن مع صندوق النقد الدوليّ، والإجراءات المنفذة هي في إطار متطلبات التصحيح الاقتصاديّ التي هي على الدوام محلّ جدل في الشّارع ورفض شعبيّ في غالبية الأحيان نتيجة السياسات الماليّة الانكماشيّة والتي تعتمد على فرض مزيد الرسوم والضرائب لتحقيق الاستقرار الماليّ بالدرجة الأولى، وإغفال مسألة النُمُوّ الاقتصاديّ التي هي في اعتقاديّ الشخصيّ الهدف الأسمى لأيّة سياسة اقتصاديّة فاعلة.
هنا يقع التحديّ الأكبر أمام الحُكومة وهو اجرء مراجعات فوريّة وسريعة للقرارات الاقتصاديّة المختلفة التي نفذتها في الفترات القليلة الماضيّة، والتأكد من تحقيقها للأهداف الماليّة.
نتحدث بهذا الأمر لأن المعطيات على أرض الواقع بدأت تُفضي إلى نتائج غير متوقعة للأهداف الماليّة ومخالفة للسياسات الاقتصاديّة وانعكاس ذلك على الاستقرار الاقتصاديّ وتلبية احتياجات الخزينة.
فقطاع العقار في تراجع غير متوقع بنسبة 5 بالمئة تقريبا، وقطاع السيارات والقرارات المختلفة التي اتخذت بحقه والتي أدت في النهاية إلى تراجع كبير في إيرادات الخزينة من التحصيلات الجمركيّة والضريبيّة من السيارات بمبالغ ماليّة كبيرة، وصل مجموع انخفاضها العام الماضي بأكثر من 70 مليون دينار، وهي بالأساس متأتية من قرار رفع الرسوم الجمركيّة على سيارات الهايبرد وضريبة الوزن، وهنا يفترض من الحكومة تقييم شامل لهذا القرار حتى يتسنى لها الاستمرار به أو إلغائه إذا لم تتحقق الغاية الأساسيّة منه.
الضريبة العامة على المبيعات والتي قدرت الحكومة نُمُوّ تحصيلاتها لهذا العام بأكثر من 400 مليون دينار، فهناك مؤشرات تُدلّل على أن الحركة التجاريّة مازالت في مستوياتها المُتدنيّة التي قد تؤدي في حال استمرارها على نفس الوتيرة في الفترات المُقبلة إلى تراجع تحصيلات الخزينة الضريبيّة نتيجة حالة التباطؤ التي تخيم على مختلف القطاعات الاقتصاديّة.
حتى قرارات مؤتمر لندن هي الأخرى بحاجة اليوم إلى جلسة حواريّة تقييميّة لمراجعة ما تم إنجازه ومتابعته من الدول المانحة والدول الصديقة والمؤسسات الدوليّة.
بقاء القرار الاقتصاديّ الرسميّ مُرتبط بإجراءات الصندوق دون أيّة مراجعات دوريّة فيه ضرر بالغ على الخزينة والاتفاق على حد سوء، لان المتغيرات على أرض الواقع متسارعة بشكل كبير قد يودي إلى مُخالفة غالبية الأهداف الاقتصاديّة التي يتطلع الها راسم السياسة الاقتصاديّة.
الحُكومة مطالبة اليوم بجلسة عصف ذهنيّ لمراجعة كافة القرارات الاقتصاديّة التي اتخذت في الأعوام الأخيرة خاصة المتعلقة بالضريبة، حتى لا تبقى الخزينة تحت رحمة الظروف والمتغيرات، وعندها تبدأ الأعين بالاتجاه نحو المانحين وللدول الصديقة لإنقاذ الموازنة من أزمة جديدة يتمثل بنمو عجزها، ولا يعيب الحكومة تلك المراجعة أبداً، فهي بذلك تتحصن من أيّة سيناريوهات سلبيّة من جهة، وتعزز سياسة التحوط من جهة أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى