سواليف
أطلقت شركة “آر إم إس تيتانيك” RMS Titanic Inc، المالكة الحصرية لحقوق انتشال وإنقاذ حطام سفينة “تيتانيك”، خطةً لاستعادة المعدات اللاسلكية (معدات التلغراف والراديو) الخاصة بالسفينة الإنجليزية الشهيرة التي غرقت في أبريل من عام 1912، وذلك في ظل فشل الكثير من الناس الذين يغوصون بحثاً وتنقيباً في حطام سفينة “تيتانيك” منذ أكثر من 35 عاماً في العثور على أي رفات لجثامين بشرية.
وكالة Bloomberg الأمريكية قالت، في تقرير لها نشرته الأحد 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن الخطة المزمعة للشركة أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط المهتمة، إذ تساءل البعض ما إذا كان حطام السفينة الأشهر في العالم لا يزال يحمل في بعض أركانه رفات جثامين الركاب وأفراد الطاقم الذين ماتوا مع غرقها قبل قرنٍ من الزمان أم لا؟
معركة ضد رحلة الاستكشاف: في حين أثار محامون تابعون للحكومة الأمريكية هذا السؤال ضمن معركة قضائية مستمرة لعرقلة الرحلة الاستكشافية المخطط لها حيث يستشهد المحامون بآراء لعلماء آثار يقولون إن بقايا جثامين الضحايا قد تكون لا تزال موجودة. كما يشيرون إلى أن الشركة لم تعط اعتباراً لذلك الاحتمال في خطة الكشف الخاصة بها.
من هؤلاء العلماء، بول جونستون، أمين قسم التاريخ البحري في “المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي”، الذي قال إنه قد مات نحو 1500 شخص في ذلك الحطام ومن ثَم فلا يمكن لأحد أن يقول إن رفات الركاب مازال موجوداً، خاصة أن تيار المياه من الممكن أن يكون قد دمره بالكامل.
من جانبها، تريد الشركة استعادة آلة التلغراف اللاسلكية “ماركوني” الخاصة بالسفينة، والتي بثت رسائل استغاثة في محيط السفينة الغارقة، وساعدت في إنقاذ نحو 700 شخص عبر قوارب النجاة.
استرداد معدات السفينة: ويتطلب استرداد تلك المعدات مركبة غوص آلية للانزلاق من خلال كوةٍ أو إحدى قطع السقف المتآكلة بشدة على سطح السفينة، فيما ستعمل جرافة شفط على إزالة الطمي السائب المتراكم، وفي الوقت نفسه ستعمل الأذرع التي يتحكم فيها المشغِّل على فصل الأسلاك الكهربائية وقطعها لاستعادة المعدات.
على الجانب الآخر، تدافع الشركة بأنه لو كان هناك رفات بشري لكان قد لوحظ بعد أكثر من 200 عملية غوص وتنقيب في بقايا حطام السفينة، حيث يقول ديفيد جالو، الخبير في علم المحيطات وأحد مستشاري الشركة، إن “هناك قاعدة غير مكتوبة مفادها أنه في حال العثور على أي بقايا بشرية، فإننا نوقف الكاميرات للاجتماع وتقرير أي خطوات ستُتخذ بعد ذلك”.
في المقابل، ينبع الخلاف من نقاش أكبر لطالما ثار حول كيفية التعامل مع ضحايا سفينة تيتانيك ومقتضيات تكريم ذكراهم، وما إذا كان ينبغي السماح لبعثة استكشافية بدخول بدن السفينة.
من الناحية القضائية، أقرت محكمة فيدرالية أمريكية، برئاسة القاضية ريبيكا بيتش سميث، في مايو/أيار 2020 حقَّ الشركة في إطلاق الرحلة الاستكشافية، وذكرت في حيثيات حكمها أن استعادة معدات الاتصال اللاسلكي “تمثل إسهاماً في حفظ إرث السفينة تيتانيك وإحياء لذكرى خسارتها التي لا تُمحى، وتكريماً لذكرى الذين نجوا والذين ضحوا بحياتهم”.
طعن أمريكي ضد الحكم: غير أن الحكومة الأمريكية تقدمت بطعن قانوني على هذا الحكم في يونيو/حزيران 2020 ، مدعيةً أن المضي قدماً في هذه الخطوة ينتهك القانون الفيدرالي واتفاقاً أمريكياً مع بريطانيا يقر بأن موقع الحطام موقعٌ تذكاري. في حين يجادل محامون أمريكيون بأن الاتفاقية تضع قيوداً تنظيمية على عمليات التنقيب في الحطام لضمان عدم التعرض بأذى لبدن السفينة أو التحف التي تحتويها أو “أي رفات بشري”.
والقضية لا تزال معلَّقة أمام محكمة الاستئناف بالدائرة الرابعة بمدينة ريتشموند، بولاية فرجينيا الأمريكية.
أما رئيس شركة “آر إم إس تيتانيك”، بريتون هونشاك، فقد صرح لوكالة The Associated Press بأن موقف الحكومة الأمريكية قائمٌ على العاطفة وليس العلم. وقال هونشاك إن “مثل هذه القضايا تُستخدم بوضوح لنيل التأييد العام”.
ويقول ديفيد جالو، الخبير في علم المحيطات، إن بقايا من ماتوا تبددت على الأرجح منذ عقود. وقال إن الغالب أن الكائنات البحرية ستلتهم اللحم بسبب ندرة البروتين في أعماق المحيطات، أما العظام فتذوب في أعماق المحيط بسبب كيمياء مياه البحر، فالسفينة تقع على بعد نحو 2.4 ميل (3.8 كيلومتر) تحت سطح البحر.
تجارب سابقة مثل تيتانيك: ومع ذلك، تشهد وقائع سابقة، مثل العثور على بقايا بشرية خاصة بطائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية بعد غرقها في عام 2009 في المحيط الأطلسي، على إمكانية العثور على بقايا بشرية، ولو بعد سنوات.
كما تقدم ديفيد كونلين، رئيس مركز الآثار المغمورة التابع لإدارة المتنزهات القومية الأمريكية، ببيان ضد البعثة، وقال لوكالة AP إن ثمة حطاماً لسفنٍ أقدم من تيتانيك عُثر على بقايا ورفات خاص بضحاياها.
حيث أشار كونلين إلى أن المياه العميقة والباردة التي تحتوي على تركيز منخفض من الأكسجين تعد مادة حافظة قوية. ومن ثَم من المتوقع أن يُعثر على بقايا بشرية في الأركان الداخلية التي يصعب الوصول إليها، حيث تتوفر عوامل الحفظ بدرجة كبيرة ومذهلة، على حد قوله.