كيف تحرمنا المناعة من فيتامين ب12؟

سواليف – من مِنّا لم يسمع عن فيتامين ب12 وعن أهميته لصحة أجسامنا وتزايد نشاطها؟ والواقع أن هذا الفيتامين الموجود غالباً في الأطعمة ذات المصادر الحيوانية كالكبد والأسماك الزيتية والمأكولات البحرية واللحوم الحمراء والدجاج والأجبان والبيض له أهمية بالغة في الحفاظ على صحة الإنسان ونشاطه.

يؤدي فيتامين ب12 دوراً أساسياً في بناء خلايا الدم الحمراء في أجسامنا، كما له أهمية بالغة في تغليف الخلايا العَصَبية والسماح لها بالقيام بعملها في نقل السيالات العصبية على أكمل وجه. لذلك، فإن النقص الحاد في هذا الفيتامين غالباً ما يتمظهر على شكل فقر دم (Pernicious anemia) تكون فيه حجم خلية الدم الحمراء أكبر من اللازم، كما يؤدي نقصه أيضاً إلى صعوبة في التّركيز وضعف الذاكرة وشعور المريض بخدر في أصابع اليدين أو القدمين أو كليهما نظراً لتَأثُّر الأعصاب المُغذّية لهم بنقص الفيتامين.

أمّا كي نفهم كيف يمكن لجهاز المناعة أن يؤثر على قدرة أجسامنا على الاستفادة من فيتامين ب12، فعلينا أولاً فهم آلية امتصاصه في أجسامنا. إذ يحتوي جدار المعدة على خلايا تًسمّى بالخلايا الجدارية (Parietal cells) والتي بدورها تنتج مادة مساعدة تُدعى بالمُعامل الجوهري (Intrinsic factor). أمّا وظيفة المُعامل الجوهري الأساسية فهي الارتباط بفيتامين ب12 الموجود في المعدة الأمر الذي يُسهّل امتصاص هذا الفيتامين لاحقاً في الأمعاء الدقيقة ليستفيد منه الجسم.

أحياناً، يعاني بعض المرضى من مرض نقص فيتامين ب12 المناعي، ويحدث هذا عندما تهاجم خلايا المناعة جدار المعدة وتُكوّن أجساماً مضادة يمكنها مهاجمة الخلايا الجدارية والمُعامل الجوهري المسؤولَين عن امتصاص فيتامين ب12.

وغالباً ما يصيب هذا المرض من هم فوق سن الستين عاماً. ويتطور المرض نتيجة سنوات طويلة من التهاب جدار المعدة الناجم عن هذا الهجوم المناعي المُزمن لتُصبح المسألة أكثر تعقيداً. كما يُعتقدُ أنّ التهاب جدار المعدة الناتج عن الإصابة، بما يُعرف شعبيّاً بالبكتيريا الحلزونية (Helicobacter pylori)، يمكن أن يُشكل عاملاً مُحفّزاً للإصابة المستقبلية بمرض نقص فيتامين ب12 المناعي، إذ يُكوّن ما لا يقل عن 20%-30% من أجسام المرضى المصابين بهذه البكتيريا المعوية أجساماً مضادة للخلايا الجدارية للمعدة!

ولتشخيص مرض نقص فيتامين ب12 المناعي، يجدر بنا التأكد أولاً من أن هناك نقصاً حادّاً في كمية فيتامين ب12 في دم المريض. وغالباً ما يتمظهر هذا النقص على شكل فقر دم تكون فيه أحجام خلايا الدم الحمراء أكبر من الطبيعي. ولتأكيد الأصول المناعية للمرض، يمكن إجراء فحوصات للمريض للبحث عن وجود أجسام مضادة للخلايا الجدارية والمُعامل الجوهري في دمه. ونعتبر وجود أحد هذين الجسمين المضادين أو كليهما بالتزامن مع معاناة المريض من أعراض سريرية لنقص فيتامين ب12 -كالإرهاق الناجم عن فقر الدم وخدر في الأطراف- مؤشرات قوية داعمة للتشخيص بمرض نقص فيتامين ب12 المناعي.

المُفرح في الأمر أنه وعلى الرّغم من صعوبة التشخيص وتأخره في بعض الأحيان، فإن علاج هذا المرض سهل نسبيّاً. ويقضي العلاج بأخذ كميات كبيرة من فيتامين ب12 على شكل حُقَن جلدية أو عضلية أو حبوب تُؤخذ عبر الفم وذلك لتعويض نقص الفيتامين عند المريض وبالتالي علاج أعراض المرض وشفاء المريض.

ختاماً، يبقى من الحصافة القول أن التشخيص المُبكّر لهذا الداء المناعي ضروريّ لتجنُّب حدوث مضاعفات عصبيّة لا يُحمد عقباها جراء نقص كميات فيتامين ب12 في الجسم لفترات طويلة. كما يجدر بالمريض أخذ مكمِّلات فيتامين ب12 مدى الحياة للحفاظ على مخزون جيد من الفيتامين في الجسم وتجنُّب المعاناة من أعراض نقصه مرة أُخرى.

الرأي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى