تعاقب الإدارات في الجامعات وغياب التقييم
أ.د انيس الخصاونة
تعاقب الرؤساء والإدارات في الجامعات الأردنية الرسمية وغير الرسمية شيء طبيعي ومحمود ومطلوب من أجل ضخ دماء جديدة وفسح المجال لكفاءات شابة أن تعطي ما لديها ،لا بل فإن هذا التغيير يتيح لهذه المؤسسات الأكاديمية التي نعتز بها أن تحرك مياهها الساكنة إن وجدت ،وتكتشف ثغرات وفجوات إدارية وأكاديمية ومالية لم تكن تلحظها الإدارات السابقة.
الجامعات الرسمية هي مؤسسات عامة مملوكة بالكامل للدولة وتم إنشائها وتمويلها من الخزينة العامة وبأموال دافعو الضرائب من المواطنين الأردنيين ،ولذلك فإن مشروعية الحق لكل من المواطن والدولة تتيح أن نلاحظ ونتحدث بشؤون جامعاتنا ونبدي نقدنا ومدحنا لإدارات هذه الجامعات حسب منجزاتها وأدائها.
من الملاحظ أن تغير إدارات الجامعات الحكومية غالبا ما يصحبه وجهتي نظر متناقضتين عن أداء هذه الجامعات في ظل الإدارة الحالية والإدارة السابقة. الإدارات الحالية تبذل قصارى جهدها لإظهار أن وضع الجامعة عند استلام الإدارة الجديدة لم يكن بخير وأن هنالك فشل وتجاوزات وأحيانا فساد في الإدارة السابقة في الوقت الذي كانت فيه الإدارة السابقة تتحدث لسنوات طوال عن قصص نجاح وإبداعات في التقدم والتطوير.يا ترى من يحكم على وجهتي نظر مناقضتين للإدارتين الحالية السابقة؟ وأين مجالس الأمناء ودورها في التقييم؟ وأين مجلس التعليم العالي؟ وأين هيئة الاعتماد وديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد؟وهل تبقى مؤسسات الجامعية رهينة لإدعاءات وتفاخر بالإنجازات الوهمية للإدارات ولرؤساء الجامعات أم أن الأمور ينبغي أن تخضع لتقييم من جهات مهنية مستقلة ،وأقول هنا مستقلة لأننا نعتقد أن مجالس الأمناء الحالية ليست مؤهلة للتقييم وغالبا ما تكون غير مستقلة ويشوبها ما يشوبها من شخصنة الأمور، وتغول على الإدارات التنفيذية للجامعات وصلاحيات رئيس الجامعة رغبة في تعظيم السلطة أو تحقيقا لمصالح فردية.
نسوق هذا الحديث لإلقاء الضوء على تصريحات حديثة لرئيس الجامعة الهاشمية الذي نحترمه والذي لم يمض على تسلمه مهامه أكثر من أربعة شهور ،حيث أعطى صورة صادمة عن وضع الجامعة حيث يقول وأنا أقتبس هنا “واجهت المشاريع التي نفذت في الجامعة الهاشمية منذ سنوات الفشل رغم إنفاق الملايين عليها بسبب عدم التخطيط لها وعدم جدواها الاقتصادية”،كما تحدث عن عدم ملئ شواغر الجامعة ،وتراكم الترقيات في الأدراج لمدة سنوات، وعدم وجود أي وفر مالي للجامعة.
وهنا تبرز الأسئلة التالية:الرئيس السابق للجامعة الهاشمية استمرت إدارته لدورتين متتاليتين، وعاصر أكثر من مجلس أمناء فأين دور مجلس الأمناء الحالي من تصريحات الرئيس وانتقاده لإدارة سلفة بهذه القسوة؟ ولماذا لم يمارس دوره؟ الجامعة الهاشمية زارها جلالة الملك والملكة أكثر من مرة وكانت تبرز صور الإنجاز والتميز في الأداء فهل كان هذا كله وهميا؟ وأين مجلس التعليم العالي الذي جدد للرئيس السابق دورة أخرى؟ نحن نتحدث هنا عن عشرات الملايين من الدنانير التي يشير إليها الرئيس الحالي للجامعة، هذه الأموال التي حسب تصريحاته ذهبت هدرا فأين هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ،وأي مندوب ديوان المحاسبة، وأين أجهزة الدولة ؟
يبقى السؤال الأهم أنه على ماذا يستند المواطنين والأكاديميين في الجامعات في تقييمهم لأداء إدارات جامعاتهم؟وعلى أي تصريحات يبنون أحكامهم هل على تصريحات الرئيس الحالي أم على تصريحات الرؤساء السابقين؟
تغير رئيس الجامعة والإدارة لا يعني انتقال ملكية الجامعة من عائلة لأخرى، ولا يعني أن الرئيس الجديد هو المنقذ الأعظم فالتغيير سنة الكون وهو استحقاق إداري وقانوني وأكاديمي.
التناوب والتغيير في الإدارة يصب في التراكم على الانجاز والاستمرارية في العطاء مما يعود على الجامعة والوطن بالخير.
انتقد كاتب هذه السطور إدارات جامعية سابقة لكن بأدلة وبيانات ووثائق موضوعية وبوازع الخدمة العامة للمؤسسة والدليل على ذلك أن التغيير كان حاسما وسريعا والأدلة دامغة وثبتتها قرارات القضاء والمحاكم.
نعتقد جازمين أن تصريحات رئيس الجامعة الهاشمية هامة وخطيرة “إن ثبتت” ويجب على الدولة وأجهزتها الرقابية أن تشكل لجان للوقوف على الوصف الذي أعطي عن الجامعة، وفي حال ثبوت هذا الوصف فيجب المسآءلة فهذه أموال الأردنيين وإن صح عدم التخطيط وعدم جدوى الاستثمار وتأخير المعاملات وغيرها من مزاعم فأعتقد أننا أمام فشل ذريع للدور الرقابي لمجالس الأمناء وأمام قضية عدم القيام بالمهام المناطة بالإدارة. أما إن لم تثبت هذه الانتقادات فعلى إدارة الجامعة أن تراجع تصريحاتها وتعتذر لسلفها.
الجانب الأدبي والقانوني وصورة الجامعة ينبغي أن تتقدم على أي اعتبارات أخرى فيها أحيانا ما فيها من ظلم للمسئول المغادر وتزيين ونفاق للمسئول القادم.
أخيرا فإن مطالبة التعليم العالي وأجهزة الدولة الرقابية “التحقق” من محتوى تصريحات الرئيس الحالي للجامعة الهاشمية هو حق للمواطن وحق للجامعة الهاشمية وحق للخزينة العامة وليس فيه اعتداء أو إساءة للرئيس ويجب أن لا ينظر لهذه المطالبة بالتحقق وكأننا نعتدي على العتبات المقدسة!!!