“تمزيع القناع عن بطولات ولد قبيلتنا درباع”

” تمزيع القناع عن بطولات ولد قبيلتنا درباع ”
د.ماجد توهان الزبيدي

مكث “درباع” سنتين في ريف بلدة “بن قردان” على بعد أمتار من الحدود الليبية ،،كان خلالها يتولّى زراعة البندورة والسمسم والكوسا والبطيخ،في بيئة أشبه ببيئة خربة”الأرن”(خربة جنوب محافظة “الوادي الناشف”)،في نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين المأسوف على شبابه،،حيث يتكاثر الابعوض و”الذبّان”ابو شوارب!!ولم يكن هناك هناك من كهرباء ولا ماء واصل للبيوت ،ولا صرف صحي ،كما هو الحال في “خربات” حفرة الإنهدام ومعسكر البقج في ذلك الوقت!!
وكان ولدنا يستحم في الترعة ،كحاله لمّا كان في الوطن يسح في “القناة”أو “الفرعية” ويستخدم قطع صابون” كنعان” – سيء الصيت والرائحة- لفرك جسده ورأسه ، إذ أخذ معه عشرين” فلقة”!!
لم يتعامل ولدنا طيلة غربته إلاّ مع عجائز من النوعين من مُنتهيي الصلاحية ممن لم يسمعوا أبدا ب”القدس”او أحداث القضية الفلسطينية ،ومايزالون يعتقدون أن فرنسا ماتزال في الجزائر وفي بنزرت!!!(أنظر لصورهم أدناه)! وهم أشبه مايكونون مثل حالة ختارية خربة “قليعات”وأخوها “زئلاب”(زقلاب سابقا) في تلك الفترة البدائية من الزمن الأول!
لم يتقن ولدنا خلال غربته في تلك الديار العربية في المغرب العربي سوى ثلاثين كلمة من لهجتهم الدارجة ،ثم صار يدّعي أنه من واضعي أسس تلك اللهجة ،عندما عاد للوطن وأخذ يرتدي الجلّبية التونسية مع حفاية بقدميه ومسباحة بيمناه ، ثم أخذ دائم “يفتر/يلف على الأجاويد بين معسكر البقج وخربات حفرة الإنهدام ، الشبيهة تماما بخربات وادي عربة وريف بن قردان بالتمتم والكمال !! لكنه بتجواله وحلوله، قطع أرزاق الكثيرين من أصحاب الحوانيت ،لأقاربه،إذ ،كلما دخل حانوتا ورأى إمرأة ،يأخذ بسرد وذكر أسماء أصناف الطعام والخضروات باللهجة التونسية ،فهو يقول للحانوتي بحضور المرأة اتلتي تريد الشراء:”أحسن طبخة في تونس هي “الكسكسي”(يشبه المفتول عندنا)،فتخجل المرأة ولا تعود للحانوت!!!وغذا ما أرادت اخرى أن تشتري “مرتبتن طحينية” ،قال ولدنا المهيوب “درباع”: لو تعرفي يابنت عمي شو يقولون في تونس عن الطحينية؟فترد المسكينة:” ويش يقولون يادرباع؟ ،فيجيب النابغة :”يقولون :حكة مرحي جيلجلان”!،ولمّا تستغرب المرأة من الكلام ومعها الحانوتي ،يأخذ ولدنا مهبوب الريح بالتفسير:”حكة يعني مرتبان او علية،و”مرحي”معناها مطحون،و”جيلجلان ” معناها :سمسم ،فيكون المعني :مرتبان طحينية!!! وهكذا دواليك ،تنسى المرأة بيتها ،ويسرق “درباع”وقتها مثلما كان الضبع ،”يسلى” رجالاتنا بين “بردلا “و”عين البيضاء”!!
وذات مرة ،وبينما بطلنا المغوار “درباع” يجلس في إحدى الدكاكين كعادته ،”يُمزعّ ريق صاحبها” بكثرة سواليفه ،دخلت إمرأة وطلبت كيلوين كوسا محاشي ،فتنطح ولدنا قائلا لها :”الصحيح بالعربية المنسية:زوز كيلو قرّع ابو طزّينه”،فتركت المرأة الدكان ولم تشتر ولم تعد لاحقا !!
لكن كل ماسبق لايعني شيئا في الموضوع الذي وضعنا له العنوان أعلاه ،إذ أن المهم هنا هو أن ولد قبيلتنا “درباع”ماغيره ،كان قد اضاف لبطولات أولادنا المغتربين رواية مهمة جدا مُلّخصُها أنهُ كان عشيقا لإبنة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة،الماسوف على شبابه، وهي إبنته الأولى “طيّبة”من زوجته الفرنسية الأولى “ماتيلد لوران” المتزوجة من قبل من جنرال فرنسي ،ولها ولد منه،صار لاحقا وزيرا تونسيا ، ،والتي طلّقها الرئيس عام 1961 ليتزوج من حبيبته التي كان يحبها منذ عام 1934م ،وكانت متزوجة من غيرة :السيدة الماجدة وسيلة ،أو “وسيلة بنت عمار”،الرائعة في حُبّها للفلسطينيين !!
فقد أقسم الرجل/ولدنا البطل منذ أن عاد للوطن وللآن أنهُ كان يسبح مع “طيّبة” في مسبح واحد ،وأنهما تعاهدا على الزواج لولا أن تدارك في اللحظة الأخيرة أن عاداتها لا تُلائم بيئة عربنا المغاوير في حفرة الإنهدام ،وخاصة بيئة “الأرن”و”وادي الناشف” ،و”حي العقارب والحراثين”،ومعسكر البقج والسردين ،وأنه يفضل بنات الوطن .
لكن الأكثر أهمية في بطولات ولدنا والتي غفل عنها المؤرخون والروائيون لتاريخ قبيلتنا ، ولم يتم تسليط الضوء عليها إلاّ من خلال هذا المقال ،تحطيم ولدنا سلاسل باب زنزانته وهروبه من السجن المركزي بعد صدور حكم الإعدام عليه ،وتخفّيه بلباس ابناء الطوارق ،وسيره على الأقدام إلى أن وصل درعا ثم تهريبه للبنان!!!وهي قصّة مشوّقة من المحتمل أن يتعاون الكاتب مع قريبه ونسيبه الصحفي الواعد “خالد”لإنتاج فيلم توثيقي لحساب” قناة الجزيرة الوثائقية”،بعد عقد عشرين جلسة مع البطل الذي مايزال حيّا يُرزق وينثر رواياته وذكرياته بين أزقتنا وحاراتنا !!!
لكن السؤال الأشد إلحاحا هو :لماذا يلجأ مؤرخو القبيلة لنشر بطولات اكباش القبيلة وتيوسها واحصنتها ،ولا ينشرن بطولات المغامرين من أبنائها ؟
mzubidi2008@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى