تلبيس إبليس

#تلبيس_ابليس

د. #هاشم_غرايبه

منذ أن خلق الله البشر، وقدر أن يهبهم حياة محددة لكل فرد منهم، فيها يتم ابتلاؤهم ليميز من يستحق الجنة ممن يستحق النار، وباختيارهم الحر، لذلك أوجد الخير والشر، وأغوى إبليس ليكون عنوانا لكل الشرور، وأوجد في البشر فطرة الإيمان التي هي الدافع الأول للصلاح وفعل الخير، لكنه أوجد بالمقابل فطرة حب البقاء والأنانية التي ولدت الأطماع، ولكي يعزز الدافع للخير أرسل الرسالات هادية ومبشرة لمن اختار الصلاح، ومنذرة بعواقب اتباع الشرور والمعاصي.
من هنا كان شياطين الإنس، هم ليسوا من ذرية ابليس كما يتوهم البعض، بل اختاروا طواعية منهجه، فاستحبوا الكفر على الإيمان، وأضلوا غيرهم، وناصبوا المؤمنين العداء ليكرهوهم على ترك الإيمان.
هكذا انقسم البشر بين فسطاطين، فسطاط الخير ويجتمع فيه كل من اتبع فطرته واستجاب لدعوات المرسلين، ولأن عنوان هؤلاء الإيمان بالله فمنهجهم واحد وإن اختلفت أعراقهم وقومياتهم، وفسطاط الشر يجتمع فيه الضالون والمضلون، لذلك فهم الأغلبية وإن اختلفت مشاربهم الفكرية وتعددت عقائدهم الفاسدة، لذلك فهم متناقضون بسبب تضارب مصالحهم، فلا يجمعهم إلا العداء للمؤمنين، ولا يلتم شملهم الا حين شن عدوان عليهم.
كان من المنطقي أن يكون التفوق في المال والقوة في جانب معسكر الأشرار، فهم يحبون المال حبا جما، ويأكلون حقوق الآخرين، ويشنون الحروب لنهب خيرات الأضعف منهم، لذلك فهم يجهزون الجيوش الجرارة، وينفقون على تطوير وتصنيع الأسلحة، ليبقوا على الدوام متفوقين عددا وعدة.
بعد أن أكمل الله الدين، انحصر فسطاط الخير بمتبعيه، فأصبح العالم الإسلامي المستهدف الدائم من قبل فسطاط الشر، ولذلك ظلوا يشنون الحروب عليه طوال التاريخ، فلم ينعم العالم الى اليوم بأية فترة سلام أواستقرار فكلما خبت نيران حرب شنوا غيرها.
هذا هو تفسير الحرب الأخير التي يشنونها على القطاع طوال الشهور التسعة الماضية، هي ليست دفاعا عن النفس كما يزعمون، بل ازداد سعار معسكر الشر بدرجة مبالغة، والسبب لأنهم كانوا يظنون أنهم قد أخضعوا العالم الإسلامي لسلطانهم، عندما تمكنوا من شرذمته وأقطعوا على ولاياته من اتباعهم من ارتضوا فساده مقابل ممانعة منهج الله واستبعاده من الحكم في ديار الإسلام.
كانت شراسة هذه الحرب ودمويتها غير مسبوقة، لأنهم شعروا بالخطر حينما قام ثلة من متبعي منهج الله بهجوم صاعق على كيانهم اللقيط – قلعتهم المحصنة في قلب ديار المسلمين.
ليس مصدر هلعهم كان من حجم الخسائر، بل من مبادرة شن الهجوم ذاتها، إذ كانوا مطمئنين الى نشرهم الاحباط واليأس بين المسلمين، واعتقدوهم تخلوا عن عقيدتهم الجهادية – وسيلة القوة الوحيدة لديهم -، خاصة بعد الحملة الصليبية الأخيرة (الحرب على الإرهاب)، التي اعتقدوا أنها أخافت كل من تحدثه نفسه بالجهاد.
هجوم السابع من تشرين قلب كل حساباتهم، لذا وجدناهم يردون بتلك القوة الساحقة لتقضي باعتقادهم على هذه الروح التي فوجئوا أنها ما زالت مستعرة، وبأن الأموال التي انفقوها على عملائهم والجهود التي بذلوها بالتعاون مع وكلائهم – الأنظمة العربية لم تنفع في وأد الروح الجهادية.
بعد أن فشلت القوة الفائقة بإحداث أي تغيير في ميدان المعركة، عادوا الى الاستعانة من جديد بالأنظمة، فكان ترتيب اجتماع في البحرين، جمع رئيس أركان جيش الكيان اللقيط بالقادة العسكريين لخمسة أقطار عربية بترتيب أمريكي تحت عنوان مشاركة الحلفاء العرب في هذه المعركة.
معروف أن التحالف العسكري يكون بين الأنداد في القوة، ولمصلحة مشتركة، لكن العلاقة بين القوي والضعيف أوالتابع والمتبوع لا تسمى تحالفاً، لذلك فمن استغباء الشعوب العربية قول أي نظام عربي بأنه حليف لأمريكا وبالتالي لربيبتها، فلن يكون تحالفه هذا الا لتحقيق أملاءاتها وتنفيذ لخططها، والتي لن تكون لصالح الأمة قطعا.
طوال تاريخ الأمة، ظل المنافقون يبررون تحالفهم مع أعدائها الخارجيين بالقول أن ذلك للحفاظ على سلامة البلاد، ودرء مخاطر العدوان عنها، لكن الله تعالى كشف لنا خبيئتهم، وأنهم إنما يخشون على أنفسهم ومكتسباتهم: “فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍۢ مِّنْ عِندِهِۦ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ نَٰدِمِينَ” [المائدة:52].
ندعو الله أن يعجل بالفتح، لنرى هؤلاء نادمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى