استعرض موقع “واينت”، في تحقيق جديد، دور #نساء #رؤساء #حكومات_الاحتلال من وراء #كواليس_السياسة في إسرائيل، منذ تأسّست غداة النكبة الفلسطينية عام 1948، وأظهر فارقاً كبيراً بين من تدخّلتْ في كل شيء، ومن ابتعدت كليةً عن شؤونها السياسية.
أجرت سارة نتنياهو مكالمة سرية مع رئيس الهستدروت مشجعة إياه على الإضراب.. أرادت أن تمنح زوجها سلّماً للنزول عن شجرة التشريعات.
وكان أحد دوافع “واينت” للبحث عن الدور السّري لنساء رؤساء حكومات الاحتلال مبادرة #زوجة بنيامين #نتنياهو، قبل نحو الشهر، لإجراء اتصال سرّي مع رئيس منظمة العمال العامة (الهستدروت)، وتشجيعه على الإضراب العام ضد التشريعات القضائية التي يقودها زوجها.
لم تكن تلك المكالمة تعبيراً عن خلاف بين نتنياهو وزوجته، بل بالعكس، فقد رغبتْ بأن يشلّ الإضراب العام مرافق البلاد كي تمنح زوجها سلّماً للنزول عن شجرة التشريعات، ويجد سبباً أمام شركائه المتشددين لتعليق التشريعات القضائية، وهذا ما حصل. وهذه ليست المرة الأولى التي أفادت فيها الصحافة الصهيونية بتدخّل #سارة_نتنياهو في إدارة شؤون السياسة، واتخاذ القرارات فيها، بما في ذلك تعيين موظفين كبار، أو القيام بخطوات سياسية، ولكن يتضح أن هذه ظاهرة واسعة وقديمة، والسؤال؛ لأي مدى تتدخل الزوجات الإسرائيلية، وكم من هذه التدخلات ينشر في الإعلام؟
السيدة التي لم تكن تفهم والنساء اللواتي تدخلن
وينبّه “واينت” إلى أن بنيامين نتنياهو يبث رسائل للإسرائيليين بأنه وزوجته سارة سيّان، فهي تنضم له في كل زياراته الدبلوماسية ولقاءاته الهامة، وتكاد كافة بياناته لا تخلو من عبارة: ” أنا وزوجتي سارة”، الخ.
ويتابع: “كانت الحالة معاكسة لدى رئيس حكومة إسرائيل الأول دافيد بن غوريون، فقد كان يقدّر ويبجّل زوجة لينين التي كانت قائدة عمالية بحدّ ذاتها، وكانت تجري نقاشات مع زوجها، واتّخذا قرارات مشتركة، لكن زوجة بن غوريون نفسه “بولا” لم تكن كذلك، وفق ما يؤكده الدكتور ميخائيل بار زوهر المؤرخ الإسرائيلي ومدوّن السيرة الذاتية لبن غوريون”.
يقول بار زوهر إن بولا بن غوريون جاءت من خلفية مختلفة، برجوازية، ولم تكن صهيوينة، بل عملت ممرضة في مستشفى في بولندا، وتعرفت على دافيد بن غوريون وأحبّته، وانقادت خلفه بإخلاص، لكنها لم تفهم ما كان يريده. كان بن غوريون يكتب لها مراسيل من المؤتمرات الصهيونية في أوروبا، وهي لم تفهمه، فكان يشعر أنه لا يملك من يتحدث معه، وهي فهمت أن دورها تقديم المساعدة والاهتمام به”.
بن غوريون كان يقدّر ويبجّل زوجة لينين التي كانت قائدة عمالية وتجري نقاشات مع زوجها، لكن زوجة بن غوريون نفسه “بولا” لم تكن كذلك.
ويشير موقع “واينت” العبري إلى أن أولى الزوجات المهيمنات كانت مريم أشكول، زوجة رئيس الوزراء الصهيوني الراحل ليفي أشكول، حيث كانت تدوّن يومياته، من كل ما سمعته، وكل ما رواه، وفق تأكيدات المؤرخ بار زوهر. وهكذا كانت ليئاه رابين، زوجة رئيس الحكومة الراحل إسحق رابين، متدخّلة في شؤون ديوانه. وكان يستشيرها في قضايا مختلفة، ولكن ليس في القضايا الدبلوماسية، التي كان يتحدث فيها معها دون انتظار مشورتها. وعن ذلك يضيف بار زوهر: “كانت مريم أشكول وليئاه رابين تتدخلان في التعيينات السياسية، وفي قرارات سياسية، وهما، كما الحال لدى سارة نتنياهو، قد وصلتا منزل رئاسة الوزراء وهما شابتان، في الثلاثينيات من عمريهما، وهذا يفسر لماذا كانتا تتدخلان في شؤون الدولة”.
امرأة مطلقّة
من جهته يوضح الدكتور إيلان بن عامي، المحاضر في الجامعة المفتوحة، أن أشكول ورابين كانتا تتدخلان في التعيينات والقرارات السياسية، ولكن بعيداً عن عيون الصحافة، غير أن من كان قريباً، وعملَ في ديوان رئاسة الوزراء، أو معه، كان يعلم ذلك”.
ويوضح “واينت” أن رئيسة حكومة إسرائيل الراحلة غولدا مئير كانت امرأة مطلّقة عندما تسلمت منصبها كرئيسة وزراء، ولذا لم يكن معها من تدخله، أو يتدخّل بها.
وفي المقابل دأب أرئيل شارون على استشارة زوجته الثانية ليلي شارون، التي تزوّجَها بعد وفاة شقيقتها، زوجته الأولى مارجليت شارون، في حادثة سير عام 1962.
انفصال سونيا بيريز عن زوجها
ويقول موقع “واينت” إن سونيا بيريز، زوجة رئيس الوزراء الصهيوني الراحل شيمعون بيريز، كانت حالة استثنائية إذ لم تتدخل في القضايا الأمنية، وهو من جهته روى لها، ولم يأخذ مشورتها، وعندما اضطر في مناصبه المختلفة ليشارك في اجتماعات بيتية كانت ترافقه، لكنها تبقى داخل السيارة تنتظره. وعن ذلك يقول بار زوهر: “في البدايات كانت سونيا بيريز تتدخل، لكنه لم يصغ لها بما يكفي، لكن هذا لم يكن يحدث دائماً. في سنواته الأولى، كان بيريز يخرج في جولات لتقديم محاضرات، وعندما كان يعود للبيت يروي لها ما حصل، معرباً عن رأيه، فكانت سونيا بيريز تتدخل، وتتحدث. وقد كانت ملتزمة بمنظومة قيم عالية ومساندة للعدل، فكانت تلاحقه حتى يطبّق وعوده الانتخابية، حتى بثمن تفكيك الحكومة، لكنه كان يسمعها ولم يصغ لها كفاية”.
“زوج تسيبي ليفني قدّمَ لها نصائح كثيرة. هذه المرة كانت نصيحة الزوج مدمّرة للزوجة التي سددّت ثمناً غالياً في استجابتها لنصيحته”.
وعن ذلك يتابع بار زوهر: “في مرحلة معينة لم ترغب سونيا بيريز بسماع أخبار السياسة، وكانت ترغب بالعودة من تل أبيب إلى المستوطنة التعاونية التي نشأت فيها، لكنه كان يرفض وهو يقول غاضباً: وهل تريدينني أن أموت؟ عندما انتخب بيريز رئيساً لإسرائيل في 2007 قالت له زوجته سونيا بيريز: يا شيمعون يكفيك عملاً في الساحة الجماهيرية. لن أرافقك بالانتقال من بيتنا في تل أبيب إلى مقر الرئاسة في القدس، وفعلاً لم تنتقل معه، وابتعدت عنه، وعادت لاسمها الأول، على اسم عائلة والدها، وقطعت معه الاتصال”.
زوج يبني وزوج يهدم
ويوضح “واينت” أنه لا حاجة للعودة مسافة طويلة في التاريخ للوراء من أجل رؤية تأثيرات الزوجات على السياسيين الإسرائيليين، فهذه حاضرة جداً في السنوات الأخيرة، بما فيها السنة الأخيرة. ويقول إن لاهيا لبيد، زوجة رئيس الحكومة السابق يائير لبيد، الذي شغل رئاسة الحكومة لعدة شهور، كانت ناشطة في حزبه “هناك مستقبل”، وشاركت دوماً في فعاليات جماهيرية بصفتها زوجة رئيس الوزراء. وفي الجهة المعاكسة هناك إيلاه بن غفير، زوجة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، تتدخل في شؤونه، بل أحياناً تبادر للظهور في الإعلام، وتتحدث مع الصحافة بدلاً منه بغية التعبير عن مواقفه.
حادثة بارزة
ويشير “واينت” إلى حادثة استثنائية في فترة الحكومة الإسرائيلية السابقة، عندما قررت رئيسة الائتلاف الحاكم النائب عيديت سيلمان الاستقالة من منصبها، وبدأ انفراط عقد حكومة بينيت- لبيد، نتيجة خلافات داخلية، ومبادئ رفضت عدة جهات بلوغ تسوية حولها، وهذا قاد لانتخابات مبكّرة. وبعد شهور فقط صارت سيلمان وزيرة في حكومة نتنياهو السادسة، بعدما تم ضمان ترشيحها في قائمة حزبه الانتخابية (قائمة الليكود)، ولاحقاً تَبيّنَ أن مَن “طبخَ” وأعدّ هذه الصفقة هو زوجها شموليك سيلمان، الذي كان على اتصال مع نتنياهو قبل تشكيل حكومة بينيت- لبيد، وكان منذ البداية متحفظاً على انضمامها، وحزبها “البيت اليهودي”، لحكومة بينيت- لبيد، بمشاركة “العمل” و”ميرتس” و”القائمة العربية الموحدة”، وهكذا حرصَ على أن تستقيل، وتنسحب من الائتلاف الحاكم السابق، مقابل وعد بترشيحها في موقع مضمون في قائمة حزب “الليكود”، وهكذا حصل.
وينبّه “واينت” إلى أن هذا التدخل من طرف زوجها كان مربحاً، بعكس وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، رئيسة حزب “كاديما”، لأن زوجها نفتالي شبيتسر كان متدخلاً جداً في شؤونها السياسية، وقد وقف خلف قرارها بعدم المشاركة في حكومة مع حزب “المعسكر الصهيوني” عام 2015، وفق ما أكده بروفيسور بار زوهر. وقتها، كان حزبها “كاديما” قد فاز بـ 29 مقعداً، وتلاه حزب “الليكود” برئاسة نتنياهو، الذي فاز بـ 28 مقعداً، ومن أجل تشكيل حكومة كانت بحاجة لضمّ حزبي اليهود الأورثوذوكس (الحريديم)، لكنها لم تبد ليونة في المفاوضات معهما، وذلك بنصيحة زوجها. زوجها قدّمَ لها نصائح كثيرة. هذه المرة كانت نصيحة الزوج مدمّرة للزوجة التي سددّت ثمناً غالياً في استجابتها لنصيحته”.
سونيا بيريز قالت لزوجها “يا شيمعون يكفيك عملاً في الساحة الجماهيرية. لن أرافقك بالانتقال من بيتنا في تل أبيب إلى مقر الرئاسة في القدس”. وفعلاً لم تنتقل معه، ابتعدت عنه، وعادت لاسمها الأول، وقطعت معه الاتصال.
فما الذي تغيّر؟
عن هذا السؤال يقول “واينت” إن تدخل زوجات وأزواج السياسيين والسياسيات في إسرائيل كان غير قابل لأن يتوقف، إذ كانت هناك مشورات تتم خلف الكواليس داخل الغرف الموصدة، وحول موائد الإفطار بقي معظمها طيّ الكتمان،
وفق ما يؤكده الدكتور بن عامي، مؤلف كتاب “الزوجة التي معه”، والذي يقول إن للرجال بشكل عام ميلاً أو اعتقاداً بأن النساء يفهمن كنه النفس البشرية أكثر من الرجال، فهن يعرف أكثر ممن ينبغي الحذر، ومن يستحق أن يتم رعايته ودفعه للأمام، وهذا ما لا تراه عيون السياسيين أحياناً”.
ويقول المؤرخ بار زوهر إنه في حال نظرنا للعالم نجد زوجة رئيس الولايات المتحدة ليست مجرد زوجة زعيم، بل هي صاحبة وظيفة حقيقية بصفتها “السيدة الأولى”. ويتابع: “إدراك وفهم السياسة من قبل المرأة يؤثرّان على مدى ومقدار تدخلها في الشؤون السياسية. هناك تظهر النساء مع أزواجهن في الحملات الانتخابية، وهذا يؤثر كثيراً على انتخاب السياسي”.
وما دام تدخّل الزوجات أمراً حتمياً، وطالما كان جزءاً من المشهد السياسي الإسرائيلي، فلماذا تحدثت الصحافة في الماضي عن ذلك أقل من اليوم؟
الكاتب بن عامي يفسّر ذلك بالقول إن الجواب موجود في حسابات الصحافة العبرية، التي تشهد تغيرات كبيرة، وباتت، في السنوات الأخيرة، مجنّدة أكثر، علاوة على أن الانشغال بهذه المواضيع بدا أصفر، وغير محترم، بعكس ما يحصل اليوم.
ويضيف: “في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تغيّرت الصحافة، وصارت نقدية أكثر، ولذا، بتنا نسمع أكثر عن هذه القصص”.
ويخلص للقول “إن هناك أمراً جوهرياً جداً يؤثّر على كيفية من يتعاملون مع تدخّل زوجة رئيس وزراء”. ويتابع: “لا شك أن هذا مرتبط بمدى شعبية رئيس الحكومة، فإذا كان غير محبوب فإنه سيتعرّض لانتقادات على كل شيء، بما في ذلك على تدخل الزوجة”.