تفاهة الشر / د. محمد يوسف المومني

تفاهة الشر
الجهل المقدس كما سماه أوليفيه روا أو لنقل بالعامية (قداسة وقوة الجحشنة) هي المصدر الأساسي للغباء أو ما يمكن تسميته بـ (كُره الحرية) بمعناها العقلي قبل الجسدي، و قوة الجحشنة هذه، هي القوة التي يستطيع من يسيطر عليها أن يسيطر على فرد أو عائلة أو قبيلة أو ناحية أو مدينة أو بلد أو منطقة أو قارة أو العالم، وقوة الجحشنة هذه مبعثها القطيعية، فلكي يتحكم أحدهم بالقطيع عليه أول ما يفعله أن يسلبه وعيه وإرادته بالقوة المادية و “بأفيون ما” العقيدة أو الترفيه، ثم يوجهه لمآرب تخدمه وتضر بالقطيع أو القطعان الآخرى ، وهذا ما كانت قد أطلقت عليه المفكرة الألمانية حنة أرنت (تفاهة الشر ) الناتج حسب تأويلها عن المحو الكامل للوعي الإنساني وتحويل الإنسان إلى نكرة ليس له شخصية مستقلة فكرياً بل وأيضاً عاجزة عن التفكير أو الفهم، فقدرة الشك عند هؤلاء النكرات فيما تقوله السلطة السياسية الدينية الاجتماعية مخصية تماماً، وهذا ما يؤدي إلى السيطرة المطلقة على الوعي بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الميديا والبروباغاندا بدائية كانت هذه الميديا “رجل دين أوشاعر” أو ما ما بعد حداثية “مثقف مأجور أو فيلم أكشن سخيييف” حقيقياً كان هذا الفيلم كفيلم الربيع العربي أو فانتازي كحرب النجوم.
ويستطيع المرء أن يستخلص أنه من هذه الظاهرة (تفاهة الشر) تنشأ ظواهر غريبة مثل “الديكتاتورية الشعبية” حيث الشعب يفدي القائد بالروح والدم، أو “الشعب الديكتاتوري” الذي يرفض ويصادر أي رأي يخالف دوغمائيته كما نجد عند الشعوب التي يتحكم بها الدين والإيديولوجيا،و كذلك ظواهر أخرى كـ”الديمقراطية الإمبريالية” أو “الحرية المصطنعة”، التي يتحكم بها بحرفية عالية “حفنة محتكرة وقذرة” من الرأسماليين الأوليغاركشيين حيث الإنسان في هذه المجتمعات تطحن وعيه وحريته دائرة الاستهلاك الترفيهية الممتعة .
إذاً يمكننا ببساطة تعريفَ الغباء /الجحشنة أنه عدم القدرة على التفكير الحر أي “اللاتنوير” إذا ما استعنا بكانط وتعريفه للتنوير الذي أنتج القيم الإنسانية الرحيمة، والإنسان الذي يبقى طفيلياً بالتفكير ويعتمد على ما قاله ويقوله الآخرون في صياغة أفكاره وحياته دون شك أو بحث هو إنسان بطبيعة الحال غبي وجحش أي خاضع لتفاهة الشر ويمكن الاستثمار بتفاهته من قبل القوى المالية والسياسية والدينية حتى تلك التي تتناقض مع عقيدته، ولنا في تجيير الإمبريالية العالمية والصهيونية الكافرتين الإسلامَ و المسلمين مثلاً عظيماً في هذا الاستثمار حتى ضد المسلمين أنفسهم، فالتلاعب أو اللعب بعقولهم بل وغسل أدمغتهم، هو ما يجعل هذه القوة البشرية المادية خاضعة لهم بسلاسة، وتحقق مصالح هذه القوى ولو على حساب مصالح المسلمين أنفسهم، بل حتى أن جماعة المسلمين أنفسهم يفخرون بأنهم مسلمون ويحبون أعدائهم، فكأنهم مسيحيون دون أن يدرون .
إذاً من نافل القول أنه عندما يكون الإنسان عاقلاً يسأل ويشك ويفكر ويفهم، لا يستطيع أحد توظيفه لخدمته، فكان الفهم والتفكير عبر التاريخ ألد أعداء القوى المتحكمة، لذلك توظف هذه القوى “تفاهةَ الشر/ الجحشنة” أول ما توظفها ضد أقوامها بشكل ناعم (الجحشنة الناعمة) كما في المجتمعات المتقدمة مادياً، أو بشكل قاس (الجحشنة القاسية )كما في المجتمعات البدائية، وإن حصل وكان لدى هذه القوى المتحكمة فائض قوة فإنها توظف الجحشنتين معاً ضد الأقوام الآخرين وأمريكا هي المثال الأنصع لذلك.
إن تفاهة الشر أو الجحشنة عقبةٌ كأداء في الوصول إلى الإنسانية أي الديمقراطية الحقيقية “ديمقراطية العدالة ” ،أي ليست ديمقراطية رأس المال اللصوصية التافهة التي لا يؤمن بها إلا من استطاعت “تفاهة الشر / الجحشنة ” أن تجعله لامبالياً بالشر أو شريكاً مباشراً أو غير مباشر فيه، فانظروا كم تبالي شعوب أمريكا وأوربا بما تفعله حكوماتها الوسخة بالشعوب الفقيرة المتخلفة .
وفي النهاية يستطيع المرء الاستنتاج أنه عندما تكون جحشنة الغوغاء والدغماء والسوقة والأوباش وأراذل الناس هي أقوى الطاقات البشرية، فإن الفهم الذي يحتاج بحثاً وتدقيقا وكداً ومعرفة وبالأخص حرية سيكون تلقائياً أضعف الطاقات البشرية للأسف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى