سواليف
كشفت مصادر موثوقة نقلا عن مستوى رفيع بلبنان، تفاصيل لم تنشر عن حيثيات عملية احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري بالرياض .
وقال المصدر الذي وصف عملية الاحتجاز بـ”رحلة الرعب”، أن الحريري عاد الأربعاء في الأول من تشرين الثاني /نوفمبر 2017، قادما من الرياض، حيث اجتمع حينها مع الأمير محمد بن سلمان، بحضور مستشاره الأبرز” ثامر السبهان”.
ونقل الحريري لمجلس الوزراء اللبناني حيثيات الزيارة، حيث أكد أن الدعم السعودي للبنان “سيستمر، وان وجود حزب الله في الحكومة، لن يؤثر على الموقف السعودي، وأنه سيعود للاجتماع مع الملك سلمان الإثنين 6/11/2017 ” .
وأضاف المصدر :” في يوم الجمعة 3/11/2017 تلقى الحريري أثناء وجوده على مائدة غداء، أقامها في قصره ( بيت الوسط) ببيروت، على شرف وزيرة الثقافة الفرنسية، اتصالا هاتفيا من الديوان الملكي السعودي، يطلب منه الحضور فورا للرياض، للقاء ولي العهد محمد بن سلمان، وقضاء عطلة نهاية الأسبوع معه” .
وتابع :” اضطر الحريري إلى الاستئذان من ضيوف المائدة، والمغادرة فورا بطائرته الخاصة، مصطحبا معه مرافقيه الأمنيين فقط، ودون اصطحاب أي شخصيات أخرى، بناء على تعليمات نبه عليها الاتصال” .
وصل الحريري مساء الجمعة 3/11/2017، إلى مطار الملك خالد بن عبد العزيز في الرياض – يكمل المصدر- وقبل نزوله ومرافقيه من الطائرة الخاصة، “صعدت مجموعة من رجال الأمن إليها، وقاموا بمصادرة جميع الأجهزة الذكية لدى الحريري ومرافقيه من هواتف وساعات وأجهزة لوحية .. ” .
وتابع المصدر:” تم ابلاغ الحريري أن عليه التوجه إلى فيلا خاصة للإقامة فيها، تمهيدا للقاء ابن سلمان صباح اليوم التالي ( السبت)، وخيروه بالنسبة لتوزيع المرافقين ، فاختار أن يذهب أربعة مرافقين يرأسهم الضابط محمد دياب إلى منزله، حيث تقيم زوجة الحريري ونجله عبد العزيز وابنته لولوة، في حين اختار أن يبقى معه رئيس حراسته ( عبد العرب )، واحد مساعديه الشخصيين” .
وفي وقت مبكر من صباح السبت 4/11/2017، ذهبوا به إلى فيلا أخرى، وجد فيها الوزير ” ثامر السبهان” بانتظاره، حيث قابله مقابلة سيئة ومهينة جدا ، حيث وجه له إهانات ووبخه على موقفه المهادن لإيران وحزب الله، واتهمه بأنه “باع لبنان للمحور الإيراني، خلافا لما وعدهم به، وأنهم يطلبون منه باعتباره مواطنا سعوديا، تقديم استقالته، واعطاه نص الاستقالة، طالبا منه الدخول إلى غرفة فيها كاميرات التصوير، وتلاوة بيان الاستقالة هناك” .
وتضيف المصادر :” حاول الحريري التملص، وطلب مقابلة الأمير محمد بن سلمان، ولكن “السبهان” أبلغه أن عليه التنفيذ دون اعتراض، وأنه لن يقابل ابن سلمان، وأنه مخير بين أمرين: إما التنفيذ وإما الانضمام إلى الأمراء ورجال الأعمال المعتقلين بفندق الريتز كارلتون” .
وهنا طلب الحريري مهلة للتفكير، فتم إدخاله لغرفة شبه فارغة من الأثاث حيث جلس فيها مع مرافقه الخاص على الأرض، واخذ مدة زمنية فكر فيها بالأمر، ووجد أنه لا مناص من تلاوة بيان الاستقالة” .
وتلا الحريري الاستقالة كما برزت على الشاشات، وكان ذلك مفاجئا لجميع الأطراف المعنية، حيث انتشرت بعدها مباشرة شائعات كثيرة، تشير إلى أن الاستقالة تمت تحت الإكراه .
وقال المصدر إن ابن سلمان قام للتغطية على الحدث،” بترتيب مقابلة شكلية مع الحريري مع الملك سلمان في قصر اليمامة الاثنين 6/11/2017، لم تتجاوز 5 دقائق، كما تم ترتيب لقاء شكلي آخر مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، حيث قام الحريري بزيارة أبو ظبي، وكانت الزيارة عملية إهانة له، لأن علاقة ابن زايد والحريري سيئة ومتوترة، وكان غريبا أنه لم يجر أي حديث بينه وبين ابن زايد ، وإنما عملية تصوير ليس اكثر”.
كما رتبت عدة زيارات شكلية قام بها سفراء اوروبيون في الرياض لمنزل الحريري، واللقاء معه، ومنهم : السفير الفرنسي ( فرنسوا غوييت)، والقائم بالاعمال الأمريكي ( كريستوفر هينزل)، والسفير البريطاني ( سايمون بول كوليس)، ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الرياض ( ميملي سيرفوني دورسو) .
ولفت المصدر إلى أن السفراء أبدوا استغرابهم من شكل الإجراءات الأمنية بمنزل الحريري، إلى جانب تعبير بعضهم عن ارتيابه وعدم راحته أثناء حديث الحريري وشعورهم أن هناك ما هو خارج المقابلات “الطبيعية” .
وفي هذه الأثناء ” طلب الضابط المسؤول عن مرافقة الحريري وهو محمد دياب الإذن له بالعودة إلى بيروت نظرا لمرض والدته، وتمت له الموافقة، وطلب منه الحريري الذهاب فورا إلى ” القصر الجمهوري”، لإبلاغ الرئيس اللبناني ميشال عون بحيثيات ما جرى، والتصريح للرئيس عون بأن ما يجري مع الحريري هو عملية احتجاز قسرية، وأن استقالته تمت تحت الإكراه، طالبا من الرئيس عون رفض الاستقالة “.
وفي يوم الاثنين 6/11/2017 عاد دياب إلى بيروت، وتوجه فور وصوله مطار رفيق الحريري الدولي مباشرة لقصر الرئيس اللبناني ميشال عون، وقدم له الرواية الكاملة لكل حيثيات ما جرى منذ استدعاء الحريري من بيروت حتى ملابسات احتجازه .
وأضاف المصدر ” هنا أصبحت عملية احتجاز الحريري مؤكدة رسميا لدى الدولة اللبنانية، ما دفع بالرئيس عون لإيفاد وزير الخارجية جبران باسيل على وجه السرعة إلى باريس، حيث التقى باسيل هناك بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء إدوارد فيليب، إضافة لوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي (فيديريكا موغريني)، حيث أصدرت الأخيرة بعد اللقاء تصريحا لافتا شددت فيه على وجوب عودة الحريري للبنان برفقة عائلته”.
أما الرئاسة الفرنسية فلم تصدر حينها أية تصريحات رسمية، فاسحة المجال أمام اتصالات دبلوماسية ووساطة هادئة لإنهاء الأمر، حيث أوفد الرئيس الفرنسي وزير خارجيته جان إيف لودريان إلى الرياض رسميا، كما أوفد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مهمة ممائلة لكنها لم تكن معلنة، بحسب ما أكد المصدر لـ عربي21.
ويكشف المصدر ” حين فشلت محاولات الوساطة الفرنسية، بدأ الرئيس اللبناني ميشال عون التصعيد السياسي، فأعلن أن الحريري محتجز بالرياض وموقوف هناك، ووضعه يعد انتهاكا لحقوق الإنسان والمعايير الدبلوماسية، معتبرا ذلك : عملا عدوانيا ضد لبنان، وأنه إذا لم يفرج عن رئيس الحكومة، سيجري تدويل القضية والذهاب بها لمجلس الأمن الدولي” .
وفي هذه الأثناء تصاعدت الضغوط الأوروبية ، حيث اتصلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بالرئيس عون، معلنة الوقوف إلى جانب لبنان بضرورة إفراج السعودية عن رئيس الحكومة المحتجز سعد الحريري، كما أجرت باريس اتصالات بواشنطن مطالبة بموقف حازم، حيث دعمت الأخيرة جهود فرنسا، لكن دون تصدر إدارة الرئيس ترامب للمشهد .
ولفت المصدر أن حصول فرنسا على الدعم السياسي الكامل لموقفها، دفعها للطلب من الرياض الإفراج الفوري عن الحريري وإلا ستقدم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، وأن دولا صديقة للرياض من بينها مصر، ستصوت لصالح إدانة السعودية بالقرار.
وعن ختام رحلة “الرعب” أضاف المصدر :” في الختام وجد السعوديون أنفسهم أمام معركة خاسرة للتكتم على ما جرى، وهنا اشترطوا ذهاب الحريري لباريس كمحطة اولى بعد مغاردة الرياض، كما اشترطوا على الحريري عدم التراجع عن تقديم الاستقالة، والإبقاء على ابنه عبد العزيز وابنته لولوة في الرياض.
وأضاف المصدر ” هذه الشروط دفعت الحريري للتردد، وإبدائه الخشية على أبنائه لكونهم سيصبحوا بمنزلة الرهائن، لكن الرئيس الفرنسي طمأنه على نجليه، وأن فرنسا ستطلب الإفراج عنهما، بوصفهما مواطنين فرنسيين في حال استمر احتجازهما، وبعد خروجه من الرياض متوجه لباريس التي وصلها فجر يوم السبت 18/11/2017، برفقة زوجته السورية الأصل “لارا”، كان قد سبقهما ابنه البكر”حسام” .
وبعد 4 أيام من مغاردته الرياض، عاد سعد الدين الحريري إلى بيروت بتاريخ 22/11/2017 ، بعد زيارتين خاطفتين إلى القاهرة ومن بعدها قبرص، “التي استبدل فيها الحريري طائرته لدواع أمنية”.
عربي 21