سواليف
لا تزال قضية تمويل حملة ساركوزي على يد النظام الليبي في عهد القذافي تثير الكثير من الجدل في فرنسا، خصوصا أن القضاء لم يبت في هذا الملف بعد ثلاث سنوات من بدء التحقيقات، ولا تزال التهم تلاحق الرئيس السابق، والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. وقد اطلعت جريدة «لوموند» الفرنسية بشكل حصري على تفاصيل التحقيقات القضائية التي قام بها القاضيان سيرج تورنير وأود بورسي منذ 2013، وأوضحت أن القاضيان لهما «شكوك كبيرة حول عمليات التمويل»، ويمتلكان مئات الوثائق على شكل بيانات سرية، واتصالات هاتفية، وشهود عيان، لكنهما «لم يتمكنا لحد الساعة من العثور على وثائق تقطع الشك باليقين، وتورط ساركوزي بشكل مباشر».
السفير الفرنسي في لبيبا
أوضحت الصحيفة الفرنسية أن القضاء استمع إلى أقوال مسؤولين ليبيين كبار، وديبلوماسيين فرنسيين، ورجال أعمال، إضافة إلى كبار المسؤولين الأمنيين الفرنسيين، وأن شهادات هؤلاء تعزز من فرضية تمويل حملة ساركوزي الانتخابية على يد نظام القذافي، لكن الطريقة التي تمت بها عمليات التمويل كانت معقدة و«تطلبت تدخل عدة جهات عبر عدة قنوات مختلفة». ومن بين التصريحات التي استقاها القضاة، تعود إلى فرانسوا غويات، السفير الفرنسي في طرابلس الذي أكد أنه سمع أخبارا تروج في طرابلس، حول تمويل القذافي لحملة ساركوزين لكن هذه الأخبار جاءت بعد اندلاع الثورة الليبية في 2011. وأكد السفير الفرنسي أن من بين الأشخاص الذين أقروا له بالتمويل الليبي، مفتاح الميسوري، المترجم السابق للزعيم الليبي معمر القذافي، الذي تحدث عن «تمويل بقيمة خمسة ملايين يورو»، بينما شخص آخر لم يفصح عن هويته، تحدث عن «50 مليون يورو».
دفتر شكري غانم
أشارت جريدة لوموند إلى صحة المعلومات التي نقلتها جريدة «ميديابارت» الالكترونية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي حينما تحدثت عن وجود «دفاتر خاصة بشكري غانم وزير البترول الليبي السابق، والتي أكد فيها أن ليبيا قامت بـ«تحويلات ليبية ناهزت ستة ملاين ونصف المليون يورو، لحملة ساركوزي». وأوضحت لوموند التي اطلعت على ما جاء من نقاط مسجلة في هذا الدفتر، والتي تعود حسب الجريدة إلى 29 أبريل /آذار من عام 2007، حيث كان يتواجد شكري غانم في منزل بشير صالح، مدير ديوان معمر القذافي. وكتب شكري غانم ما يلي « تناولت وجبة الغذاء مع البغدادي (رئيس الحكومة الليبية) وبشير صالح في مزرعته. وأخبرنا بشير بأنه أرسل 1.5 مليون يورو لساركوزي، بينما أرسل له سيف الإسلام 3 ملايين يورو».
يشار إلى أن شكري غانم توفي في ظروف غامضة في 29 أبريل /آذار من عام 2012 في فيينا، حيث عثر على جثته في نهر الدانوب، وكانت الشرطة النمساوية أوضحت أن وزير النفط الليبي السابق توفي غرقا جراء أزمة قلبية بينما كان يمشي ليلا بالقرب من النهر. لكن الصحيفة الفرنسية المعروفة «ميديا باريت» وعدة جرائد بريطانية شككت في ظروف وفاة غانم، معتبرة أنها تطرح علامات استفهام كبيرة، وألمحت إلى أن الوفاة قد تكون «عملية اغتيال مدبرة»، من أجل إسكات الرجل للأبد، بسبب ضلوعه في ملف التمويل الليبي لحملة ساركوزي بشكل مباشر.
رئيس جهاز المخابرات السابق
أكدت لوموند أن القضاء الفرنسي كان على علم بتحركات الرئيس الفرنسي السابق الذي كان «يخشى أن يتم الإيقاع به» في هذا الملف الذي يشكل خطرا كبيرا على حياته السياسية، إضافة إلى المتابعة القضائية والجنائية، مما استدعى تحريك ماكينته الخاصة المكونة من «معارفه وأصدقائه في مختلف أجهزة الدولة»، لمعرفة أين وصلت التحقيقات القضائية. وتقول جريدة لوموند، أن القضاء بحوزته مكالمة هاتفية خاصة لأحد المقربين من ساركوزي، يدعى أليكساندر جوهري مع المحامي محمد عارف، الذي طمأنه عبر الهاتف قائلا «إنهم يبحثون (القضاة) لايجاد العلاقة بينه (ساركوزي) وبين القذافي، لكنهم لا يبحثون في المكان الصحيح». وفي إحدى المكالمات الخاصة لساركوزي، تقول لوموند، إنه اتصل بمدير ديوانه ميشيل غودان في فبراير/شباط 2014، وأخبره محذرا «علينا مراقبة الملف مع أصدقائنا في الضفة الأخرى (يقصد المسؤولين الليبيين)».
وللاشارة فالقضاء الفرنسي كان قد اعتقل في سبتمر الماضي، رئيس المخابرات الفرنسية السابق برنار سكاورسيني وأخضعه للتحقيق، في مقر المفتشية العامة للشرطة في باريس، بالتزامن مع تحقيق آخر خضع له أيضا المدير السابق للشرطة القضائية في باريس كريستيان فليش. هذان المسؤولان الأمنيان يعتبران من المقربين من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. وجاء الاعتقال بعد أن أمر القضاء بوضع مكالماتهما تحت المراقبة، واتهما بعدها بـ«انتهاك السر القضائي»، بعدما اكتشفت السلطات القضائية أن رئيس المخابرات السابق، كان يتجسس على القضاة لمعرفة أين وصلت التحقيقات في ملف التمويل الليبي غير مشروع لحملة لساركوزي. وكان سكوارسيني قد خضع للتحقيق في أبريل/نيسان الماضي، وتمت مصادرة العديد من الوثائق في مكتبه ومنزله. ويشتبه المحققون في أن سكوارسيني كان على علاقة بمستشار وكاتم أسرار العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، بشير صالح، والمتهم بلعب دور الوسيط في عملية تمويل حملة ساركوزي الانتخابية. كما يشتبه المحققون أيضا في كونه وراء تنظيم عملية إخراج صالح سرا من ليبيا إلى النيجر ثم إلى فرنسا عام 2012.
ترى جريدة لوموند أن ألكساندر جوهري، أحد المقربين من نيكولا ساركوزي لعب دورا محوريا في قضية الفساد والتمويل الليبي المزعومة، باعتباره رجل أعمال وصاحب علاقات قوية مع مجموعة من الدول العربية بينها ليبيا. وعرف عن جوهري اشتغاله في الظل لسنوات لصالح الحكومة الفرنسية في عهد شيراك وساركوزي من أجل إيجاد أسواق لفرنسا في كل من دول الخليج وشمال إفريقيا خصوصا في ما يتعلق ببيع الأسلحة. وكان وزير الداخلية الفرنسي السابق كلود غيون أطلق عليه اسم « جالب الصفقات». وتقول جريدة لوموند إن «القضاء له شكوك كبيرة حول ألكساندر جوهري ودوره، بالقيام بعمليات تمويه من خلال «صفقات وعقود وممتلكات استعملت كواجهة من أجل إجراء عمليات تحويل أموال ليبية لتمويل حملة ساركوزي بطريقة غير شرعية». ومن بين هذه الملفات، اقتناء أليكساندر جوهري لفيلا في جنوب فرنسا ثم بيعها أضعاف سعرها الحقيقي لصديقه بشير صالح، مدير ديوان الزعيم الليبي السابق. كما أن جوهري استعمل حسابات بنكية مختلفة من أجل دفع فواتير إقامة المسؤول الليبي في أكبر الفنادق الباريسية الفخمة.
وتوضح أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، عندما عرف بأن القضاء يقترب شيئا فشيئا من الأدلة التي قد تورطه، أوعز في مارس/آذار 2014 إلى صديقة أليكساندر جوهري بالرد على الاتهامات القضائية عبر كتابة رسالة باسم بشير صالح تبرئ ذمته، وتنفي ضلوع ساركوزي في حصوله على أموال من النظام الليبي لتمويل حملته الانتخابية.
وكشفت لوموند من خلال بحثها والوثائق القضائية التي اطلعت عليها أن مجموعة من كبار المسؤولين في مختلف دواليب الدولة، وكذلك الأجهزة الأمنية والقضائية ورجال الأعمال لا يزالون أوفياء للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وينتظرون عودته للحكم بفارغ الصبر من أجل طي هذا الملف بشكل نهائي، وبالتالي يتحركون على شكل «خلية سرية» لمعرفة كيفية الرد على كل تحركات القضاء في كل مرة يتوصل إلى وثائق تدينهم في هذا الملف. وكان جان فرانسوا كوبيه، أحد القيادات اليمينية صرح بأن ساركوزي يرغب بالترشح للانتخابات الرئاسية والفوز بها بأي ثمن «خشية دخوله السجن في كل قضايا الفساد التي تورط فيها، بينها قضية تمويل نظام القذافي لحملته الانتخابية».
وكالات