
بعد خمسين عام
نور الجابري
الى الأجيال القادمة التي ستقرأ تاريخاً يتكلم عنا ، لا آرى أي عذرٍ لنا لتلتمسوه ، نعم أتخيلُّ أني بعد خمسين عام أقرأ أنَّ مَن سبقنا لم يُحرك ساكنا لِما يحدث في كلّ أوطاننا ،
سأقرأ عن تطبيع الحكومات العربية و إنسياقها في الفتن الداخلية و عن إقتتال الشعوب و قد تقسّمت لفصائل وأحزاب و قتلتهم القَبَلية و كيف إختلفت على أديان قد أنزلها الله على رُسُلِه ،
سأقرأ كيف أن الحاكم كان كمن يتقمص دور اله منزل و لم يجرأ الا القلة القليلة على معارضته كان مصيرهم أقبية السجون ، سأقرأ دواويين الفساد و معلقاته و أتسائل هل هذا حقيقي ؟
كيف تكون الشعوب بهذه السذاجة ،سأقرأ عن إفساد التعليم خوفا من إحتضان الفكرة فالفكرة خطرة ،
سأقرأ عن خصخصة المصادر ،سأقرأ عن تغيير إتجاه القبلة بسبب خطأ ما صاب إحداثيات الأئمة ، سأقرأ عن إجتماعات قامت بهدف تزوير المنظور و إعادة الشعوب الى أجهل العصور ،
سأقرأ عن إباحة أي شيء بأمر أصحاب الولاية ، سأقرأ عن زمن فيه اختلفت الثوابت و المقاييس ، أضجرُ أغضبُ… أشتمُ كل العرب و ألعن تاريخا مدنساً بالخيانة و الخضوع ، و كلّ هذا في فصل وحيد فقط فليس هناك الكثير من الفصول التي تروى عنّا ، لم تجذبني كلّ تلك الصفحات غير أني تأملت تلك الصفحة ، يبدو أنها خُطّت بقلمٍ مختلف ححروفه برّاقة ، يَروي أُناس أخرين ، أُناس مرابطين ليسو بخاضعين
أقرأ أسماءهم و كأنها قناديل تضيء الزمان و ترسم أملاً ،كيف لا و قد طوى التاريخ كل الصفحات الا صفحتهم ،فالتاريخ لا يخلد الجبناء ، أشعر بأرواحهم تَحرسُ حروف اللغة و تتجول في أروقة المقدسات و تُشرق كالشمس على فكرةٍ ما لتُعَجِّلَ مِن نُموِها و إمتداد فروعها لتغدو ذات يوم شجرة تُظلُّ الأحرار ،
هؤلاء فقط هُم مَن يُنقش تاريخَهُم على شواهد قبورهم بحروف تتزين بعد خمسين عاما بالذهب .
