تعنيف الطلبة: تجذير لتشوه الأجيال / شروق طومار

تعنيف الطلبة: تجذير لتشوه الأجيال
شروق جعفر طومار

عبر عقود طويلة من التأسيس للتعليم، ارتبطت مهنة المعلم بالوقار والصرامة وصولاً إلى التقديس، ثم إباحة القسوة تحت مسمى “التأديب” باعتبار المهنة ذات شقين؛ التربية أولاً، ثم التعليم.
في الوقت ذاته، نظر الأردني إلى التعليم على أنه الوسيلة الوحيدة لتحسين اشتراطات الحياة، والانتقال من طبقة إلى أخرى، فحرص الآباء، وحتى الأميون منهم، على أن ينال أبناؤهم قسطاً من التعليم، ولو كلفهم ذلك التخلي عن احتياجات أساسية في الحياة.
لذا، تغاضوا دائما عن أي ممارسات سلبية عنيفة تجاه أبنائهم، بل إن ثمة مقولة انتشرت عبر عقود، بقول آباء للمعلمين “إلكم اللحم، وإلنا العظم”، في تفويض مباشر ومفتوح للمعلم بالقيام بكل ما يراه لازماً أياً كان، بما فيه العقاب البدني.
تأسست علاقة الطالب بالمعلم على هذه الشاكلة، وصار “ضرب” المعلم للطالب، مباحا اجتماعياً، والأدهى هو أن وزارة التربية تعاملت معه على أنه مباح تربويا، حيث لم تقم بالتدخل اللازم لترميم ذلك، واكتفت بالصمت حيال هذه القضية أو بالتدخل المحدود جدا في قضايا معينة وصل العنف تجاه الطالب فيها إلى مدى غير مقبول نهائياً.
لكن، في السنوات الأخيرة، تصر الوزارة على أنها تمنع العنف الممارس من المعلم تجاه الطالب، وتمنع كل أشكال الاعتداء البدني عليه كما تدعي بأنها تؤسس لعلاقة جديدة يُحترم فيها الطالب كما المعلم، وبأن أي عقاب تتخذه المؤسسة التعليمية يجب ألا يشتمل على أي شكل من أشكال الإيذاء الجسدي أو النفسي.
للأسف الشديد، أكثر من قضية انفجرت في وجوهنا خلال الأيام القليلة الماضية، شكل بعضها صدمة كبيرة للمجتمع حول تعامل معلمين مع طلابهم، إذ انتشرت فيديوهات مسربة من مدارس مختلفة تظهر اعتداءات صارخة على طلبة، بعضها يمكن وصفها بـ”الوحشية” ولا يمكن أن يستقيم معها مبدأ الممارسة الفضلى ولا مبدأ التربية.
بهذه الطريقة غير الإنسانية، نحن نحول هؤلاء الطلبة إلى قنابل موقوتة ضد المجتمع، قد تنفجر في وجوهنا في أي لحظة، فهم سيلجؤون إلى تفريغ كبتهم وقهرهم عبر قنوات أخرى، ربما تكون بالتنمر على أقرانهم الذين شاهدوا إذلالهم، أو بالانحراف وتحميل المجتمع كله مسؤولية ما تعرضوا له.
سيكون ذلك نوعا من الانتقام من هذا المجتمع الذي وقف متفرجاً، وأيضاً محاولة لتعزيز القدرة الذاتية على البقاء في هذه الحياة التي باتت في نظرهم صعبة وقاسية والبقاء فيها يجدر أن يكون للأقوى، في ظل غياب تطبيق قانون يردع المعتدي، وينصف المعتدى عليه ويحميه.
المؤسف للغاية، أنه ونتيجة لكون المعلم وجد بأن هذه الممارسة “مباحة” أو يتم غض الطرف عنها، وبعض أولياء الأمور يسمح بها أو يرى بأنها قد تكون ضرورية لحصول الطالب على التربية المناسبة، فقد بات الطالب يتوقعها في أي يوم مدرسي.
لكن الإشكالية الكبرى هي أن الوزارة التي تقع عليها جل المسؤولية في ذلك، تتوقع هذه الممارسات هي الأخرى، في حين أن ادعاءاتها العديدة بحظر هذه الممارسات وجعلها استثناء لم تأخذ أشكالا مؤسسية مشفوعة بقوانين تطبق بصرامة لإنهاء هذا العنف.
في كثير من الحالات والتحديات ينبغي للقانون أن يسبق الممارسة، فإذا لم نستطع فرض الممارسة بالآليات التقليدية كالتوعية والتثقف، ينبغي حينها سن القوانين وتطبيقها بحزم بلا هوادة، لنتأكد تماما من أننا نعالج قضية خطرة، قضية سيؤدي التراخي في علاجها لمزيد من العنف المجتمعي والتسرب المدرسي وتفريخ أجيال بمفاهيم ونفسيات مشوهة، وبالتأكيد، غير منتمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى