تعددت الأسباب والموت واحد…

تعددت الأسباب والموت واحد…
جمال الدويري

كانت حاستي العاشرة تجزم بأن ثمة احمد سعيد بيننا، حتى في ذروة المؤتمرات الصفرية، والزهو والغطرسة النرجسية كل مساء، وكنت اكاد اجزم اننا كل يوم، بصدد سماع البيانات اياها: (طائرات العدو تتساقط كالذباب)، التي ما زالت تشتبك مع ذاكرتنا المرعوبة ذات نكبة ونكسة وهزيمة. اقسم انني لم اصدق كل ما كنت اسمع وأرى، لأن الثقة شبه معدومة، والشفافية كلمة لا تحمل لديهم معناها اللغوي الذي فُطر عليه المصطلح، ولأن المعطيات لم تكن تؤيد ما يدّعون، وكنت اتمنى ان يكن حدسي وخوفي في غير مكانهما، وكم صِحْنا بإلحاح ان اغلقوا الحدود، كل الحدود، وأعيدوا مستشفياتنا الميدانية، فالنفس اولى من الجامع بالإغاثة، وكم قلنا: اجمعوا القطط السمان قبل ان تطلبوا من الجوعان، وكم قلنا ان العرط غير مبرر ، فكان الجواب مزيدا من العرط والدعاية والحجر السياحي ابو الخمس نجوم وتوزيع الورود، ونسينا ان نستعد لليوم والغد، وأغفلنا تطوير نظامنا الصحي العام، ودللنا نظامنا الصحي الخاص، وبدل ان نقول لتجار الصحة من مستشفياتنا الخاصة ماذا يفعلون، فرضوا على الدولة والمتاعيس من مواطنيها ما يقولون ويربحون، فتاجروا بالموت وعلب الفاين وعبوات الماء والعصير، بأسعار مايو كلينيك، دون خدمتها.
وفي لحظة الحقيقة المجردة، سقط الاستعراض، وقصُرت ارجل الكذب حتى الكساح، وذاب الثلج وبانت العورات، فزحف الاقتصاد على اربع، وفقد نظامنا الصحي عافيته، وبينت حسابات حكيم الوهم نقصا كارثيا بالتجهيزات والبنى التحتية والطب المختص كأطباء العناية الحثيثة وغيرها، والأنكى وأمرّ، ان كل هذا قد جرى والعرط والاستعراض مستمرا وعلى قدم وعدة سيقان، وبلا رحمة او هوادة.
لم يستقل مسؤول واحد ، ولم يعتذر كاذب واحد ، ولم يصدر تصريح واحد يصارح الشعب، وهو صاحب العلاقة المباشرة، وطرف المعادلة الأولى بالمصارحة والعلم.
لا بل تواترت الطلبات والأوامر والتهديدات ان شدوا الأحزمة، والتزموا بكذا وكذا والا كذا وكذا، وقد فعلنا، حتى وصلنا الى الواقع الكارثي الحنظل: من لم يمت بالكورونا مات بالجوع وعلى باب مخبز او بقالة بندورة.
وبمناسبة شد الأحزمة، فقد اعتدنا على فعلها حتى انقطعت البطون، وما زلنا نشد ونشد ونشد، في حين ان بطون الفساد والفاسدين تنمو وتترعرع وتتدلى دون رادع، وجاءت الانتخابات، فغطت على النعّايات.
وما زال الكذب والتدليس وغياب المصارحة مستمرا حتى لحظة اعداد هذه النشرة.
روحوا يا شيخ…منكم لله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى