” تطبيع … مش سياسة !!” / د. محمد شواقفة

” تطبيع … مش سياسة !!”

يعرف الفلاحون هذا المصطلح منذ الأزل و هو فعليا عملية تدريب صغار الحمير تمهيدا لتدريبها على الخدمة من ركوب و حمل و خدمة و تلقي الأوامر. و لا أعلم تاريخيا متى بدأ استخدام هذا المصطلح في الدوائر السياسية لما نسمعه يوميا في حالة من إستلاب أحد المراحل المهمة جدا في تطور الحمير و دخولها معترك الحياة من أوسع أبوابه.
و هذا ليس بالتعدي الأول من البشر على عالم الحمير و إقحامهم للحمار الذي يتسم بالوداعة و المسالمة في عالم تملؤه نزاعات لا تمت له بصلة . فالحزب الديمقراطي في امريكا لم يجد من كل المخلوقات الا الحمار ليكون شعاره و لم يك قصدهم تحقيره أو تكريمه بذلك الفعل و لا دلالة على خط سياسي معين و لكنه نكاية بالحزب الآخر الذي اتخذ الفيل شعارا له اشارة للقوة و الضخامة و سعة الانتشار …. فتم اقحام الحمار الذي يدرك الجميع انه مغلوب على امره …و رغم ذلك لا يتردد اي كان باستخدام كلمة ” حمار ” كشتيمة لنعت صاحب الصوت العالي النشاز او لقليل الفهم و التدبير و الاصرار على الخطأ و العناد فيه و أحيانا يلصقونها بقليل الحياء الذي يجاهر بالعيب و لا يخفيه …. و ربما يندر إستخدامها في المديح كناية عن الصبر و التحمل كوصف “حمار شغل ” أو ” كصبر الحمير “.
و الحمير لمن لا يعرف أشكال و أنواع و قد لا يهم مظهرها و مواصفاتها لمن يراقبها من بعيد …لأنها في نهاية الامر ” حمير” بغض النظر عن شكلها و طولها و ارتفاعها و قدرتها على التحمل و لا يشفع لها طول ارجلها أو ذيلها أو آذانها. فصغير الحمار يسمى ” جحشا ” إلى أن يفطم و بعد أن يتم فطامه و قبل أن يدخل مرحلة ” التطبيع ” فيسمى ” الكر” و هذه قد تكون أجمل لحظات حياة الحمار لأنه بدون هم أو عمل و يمتلك من الحرية ما لن يناله فيما بعد مهما حاول.
و صدقا لا أعرف إذا كانت الحمير فعلا تتوق لتلك المرحلة من التطور بدخولها في مرحلة التطبيع ” ما بعد مرحلة الكر” …. و الذي يبدأ عادة بتركيب لجام لها يتحكم بساعات تناول الطعام …. و إسراجها لتتعود على أن هناك من يركبها … و الأهم من ذلك أنها تدخل في مرحلة من التدريب على واجبات معينة لا مجال للمناورة او التغيير فيها …. و أذكر أيام طفولتي أن حمارا عند بيت جدي كان يسير حاملا حمولته بدون أن يقوده أحد … و يقف بانتظار أن يأتي أحدا لينزلها و يعيد الكرة دون كلل أو ملل … و ربما كنت محظوظا لمرافقة ذلك الحمار المطبع جيدا فكانت واجباتي فعلا سهلة جدا و غير ضرورية …. صراحة ” و جودي و عدمه سيان مع ذلك الحمار المطبع “.
و من غرائب العرب و طرائفهم أنهم كانوا يطلقون لقب الحمار على أحد ما ” كل مئة عام “…. و يقال أن آخر خلفاء بنو أمية و في مئوية الدولة الاموية قد نال هذا اللقب لجلده و صبره في حرب الخوارج ….. و تحجج له مطلقوه بأن الله قال للعزير عليه السلام: ” و انظر إلى حمارك “.
و رغم أن الحمير في تناقص كبير لانعدام دورها الحيوي بعد انقراض المزارعين …فقد كان لها زمان فيه رفعة و سؤدد … و كان لها سوق خاص للتجارة والتداول يؤمه التجار …. لكن كان معروفا للجميع أنها لا تسير كالقطعان أو في جماعات … فمن الصعب جدا التنقل بمجموعة من الحمير أو ربطها معا أو حتى حصرها في مكان محدد بانتظار المشترين. كانت الطريقة الوحيدة لضبط الحمير في السوق أن يتم ربط أعندها و أشرسها بجذع شجرة فتلتف حوله بقية الحمير و كأنها زعيمها … و اذا ما تم بيعه يعود صاحب القطيع ليزكي أحدا آخر ليحل مكان الاول بدون اي مناكفات و تعاد الكرة مرات و مرات …

” دبوس على التطبيع ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى