تشخيص العلة
د. هاشم غرايبه
يعلمنا #التاريخ أن من أهم أسباب أن #الدولة_الإسلامية هي الأطول عمرا بين كل الدول، #وحدة_الأمة.
ما أذهب ريح أمتنا وأسقط مهابتها إلا سقوط هذه الدولة عام 1918 بالتآمر الداخلي مع أعدائها، باستنهاض العصبيات القومية والمذهبية التي كانت عقيدة التوحيد نجحت بصهرها جميعا.
أكثر ما أضر بالأمة الانشقاق الشيعي، كان أساسا خلافا على #السلطة، وكان يفترض زواله مع انقضاء عصر المتنازعين، لكن استغلاله من قبل القوميين الإيرانيين الحالمين بعودة أمجاد فارس فاقمه، بأن حولوا التشيع الى مذهب فقهي، وعمقوه بأن قالوا ان المصدر الوحيد للعلوم الدينية هم ذرية الحسين بن علي رضي الله عنهما.
ورغم أن العلماء من آل البيت لم يقولوا بذلك، إلا أن المتعصبين جعلوا من إيران موئلا لهذا المذهب، وبالتالي معارضا شرسا للإسلام (السُّني)، وبذلوا قصارى جهدهم في استثارة الأحقاد التاريخية لمنع التئام شمل الأمة.
قد يسأل سائل: لماذا لا يكون التعصب من الطرفين؟، والإجابة تكمن في أن التعصب الانغلاقي لا يكون دائما إلا من الأقليات المجتمعية، إذ أن الأغلبية تملك قياد المجتمع عادة، ولا تخشى أن تذوب في الأقلية، فلا حاجة لها للتعصب كحجة للدفاع عن حقها في البقاء.
والدليل أنه عندما قامت ثورة الخميني احتفل العرب (المسلمون السنة) بها، وعلقوا عليها الآمال، لكن إيران ظلت كما كانت، شوكة في خاصرة العالم العربي، بل أكثر إيلاما، بالمقابل تدعمه كل الدول الإسلامية غير العربية.
وظهر ذلك جلياً في الحالات الثلاث التالية:
الأولى في الحرب على الإرهاب: عندما استثمرت أمريكا هذا الخلاف في ضرب الإسلام، إذ تم نقل إيران في لحظة من راعية الإرهاب، الى شريك في القضاء عليه.
وكان أداؤها فعلا فائقا لما توقعوه منها، لأنها أشد منهم حماسة لهذا الدور، فما كانت لتحلم بأكثر من تعريف الإرهابي بأنه المسلم السني تحديدا، لتروي غلاًّ دفينا على من هدموا عرش كسرى، وتفوقت على نفسها في مهارتها التاريخية في التحشيد الطائفي، بما سمي بالحشد الشعبي، بدليل رفعها شعار: “لبيك يا حسين”، ولا يخفى على أحد ما لذلك من دلالات في استحضار الثارات التاريخية المقيتة.
الثانية: عند قيام الثورة السورية، وحدث تطابق المصالح مرة أخرى، فقد كان الثوار ذوي أجندة إسلامية مثل كل الثورات العربية، لذلك ضبطت أمريكا الأمور لتخدم أهدافها مجتمعة:
1 – إكمال تحييد قوات دول الطوق، بتدمير الجيش السوري مثلما دمرت قبله الجيش العراقي، وقبلهما حيّدت الجيش الأردني والمصري، بتحويلهما الى قوات أمنية.
2 – ضرب وحدة الشعب السوري بحرب أهلية طائفية، وهنا كان الدور الإيراني مشهودا، لكن عندما فشلت عسكريا أدخلت روسيا لتؤازرها في مهمة تدمير لحمة الشعب وتشريده.
3 – لما فشلت أمريكا في إيجاد البديل الليبرالي لنظام بشار، والذي كانت الدول الرجعية العربية مكلفة بصنعه، آثرت الإبقاء عليه بعد تأهيله، كونه الأكثر حماسا لممانعة الإيديولوجيا الإسلامية.
هكذا نرى أن التعاون الإيراني مع الإدارة الأمريكية حقق أهداف الطرفين تماما، فقد أصبح لإيران الكلمة العليا في العراق وسوريا ولبنان وتسعى الى ذلك في اليمن.
الحالة الثالثة، وهي تقاطع جديد فرض ترتيبات مختلفة.
فقد أدى تعاظم النفوذ الإيراني، لإرعاب منافسها التاريخي في المنطقة: السعودية، استثمرت أمريكا هذه المخاوف فحركت أصابعها لتورطها في حرب عبثية في اليمن تشبه كثيرا حرب الإحتواء المزدوج (الحرب العراقية الإيرانية).
في هذه المرة تأمل أمريكا أن تنجح فيها بأكثر من سابقتيها، بدلالات:
1 – النجاح في بناء تحالف يضم الدول الخليجية مع (اسرائيل) تنضم إليه حكما مصر والأردن، تحت عنوان التصدي للخطر الشيعي.
2 – في الوقت نفسه تُبقي النظام الإيراني تحت تهديد إعادة الحصار لضمان التزامه بالأجندة الأمريكية، وبذلك يبقى التوتر قائما والإحتواء مزدوجا.
3 – تسارع استنزاف الفائض النقدي الخليجي بالتسليح وباحتكار أمريكا لاستثمار تلك الأموال لتشغيل شركاتها.
يبقى العدو المشترك لكل الأطراف هو الأيديولوجيا الإسلامية، لأنها الوحيدة التي يمكن أن تُفشل كل ما ذكر آنفا، ليس الحل بالقضاء على الخطر الإيراني، كما توهم “صدام” رحمه الله، بل بتحييد الأداة التي تستغلها، أي إلغاء أولوية الصراع المذهبي.
فالأولوية هي للصراع مع أمريكا وأدواتها فذلك ما يوحد الصفوف، ويرتقي الى مستوى هذا التحدي.