#تسامح #الكبار وتعصب #الصغار
موسى العدوان
قبل ثلاثة عشر عاما وبالتحديد بتاريخ 14 ديسمبر 2008، أطلق الصحفي العراقي #منتظر #الزيدي، #قذيفتين موجهتين من قدميه ( فردتي حذائه )، نحو هدف محدد هو رأس الرئيس #جورج #بوش الإبن، رئيس أكبر دولة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية. وقع ذلك الفعل خلال مؤتمر صحفي جمعه في #العراق، مع رئيس الوزراء العراقي نور المالكي أمام عدسات التلفزة العالمية.
كان تصويب القذيفتين على هدفهما دقيقا للغاية، ولكن الهدف كان ماهرا في المراوغة، واستطاع تجنب الإصابة بأختبائه خلف منصة الخطابة، فأخطأت القذيفتان هدفهما، ولكن الثانية أصابت العلم الأمريكي، الذي كان منصوبا على السارية، إلى جانب العلم العراقي خلف المنصة.
هذا الفعل تقبله الرئيس بوش بصورة طبيعية، إذ كان ذلك التصرف بضرب المسؤول بالحذاء أو البيض أو البندورة أو غيرها، تعبيرا عن الاعتراض على سياسة ذلك المسؤول أو على سياسة حكومته، أمر معروف في الثقافة الغربية، ولا يتشددون غالبا في إيقاع العقوبة على فاعله.
ولهذا تقبل الرئيس بوش ذلك الفعل بروح رياضية وطلب من المالكي، أن لا يمس الفاعل بأذى. وفي رده على سؤال عن الحادث قال بوش : ” إنها وسيلة للفت انتباه الناس، وكل ما أستطيع قوله هو أن الحذاء قياس 10 “.
أما صحيفة واشنطن بوست فقد علقت على الحادث قائلة : ” إن الرئيس بوش واجه بعضا من النقمة العارمة على سياساته من قبل العراقيين “. وفي نهاية ولايته أجاب بوش على سؤال لأحد الصحفيين عن ذلك الحادث قائلا : ” أنه أغرب المواقف التي تعرضت لها خلال ولايتي “.
وكذلك فعلت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون. فهي لم تغضب عندما جرى رشق موكبها بالبندورة، من قبل المحتجين خلال زيارتها لمصر، بل قالت في إجابة على سؤال للصحفيين لاحقا : ” خسروا الطماطم التي رشقوني بها في مصر “.
ولكن مثل هذا الفعل يعتبر في الثقافة العربية عملا مشينا، إذ لا يجوز الإساءة إلى ضيف للبلاد، سواء كان رسميا أو خاصا مهما كانت خطاياه، لأن هذا مخالف للأعراف والتقاليد العربية الأصيلة. ولهذا قامت الحكومة العراقية بسجن الصحفي، وكسر يده من قبل قوات الأمن، ثم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، أمضى منها تسعة أشهر ثم أفرج عنه، تحت ضغط المتظاهرين العراقيين المؤيدين له، وهتافهم باسمه كبطل عربي، استطاع أن يقول لأمريكا ( لا ).
كما حظي الزيدي بتأييد كبير من الرأي العام العربي، واعتُبر حذاؤه ” رمزا للكرامة العربية التي تردت إلى الحضيض “. وتقديرا لذلك الفعل فقد عُرضت مبالغ مالية ضخمة لشراء فردة من حذاء الزيدي الشهير، بلغت ملايين الدولارات. فقد عرض أحد رجال الأعمال السعوديين ( كما نٌشر في حينه )، مبلغ 10 ملايين دولار، لقاء الحصول على فردة واحدة من حذاء الزيدي.
ومع تسامح الرئيس بوش مع الزيدي في ذلك الحادث، وإهانته أمام العالم على شاشات التلفزة العالمية – ورغم كرهنا الشديد لبوش الإبن – إلا أننا استحسنا عمله وقدرناه في هذه الجزئية إنصافا للحقيقة. ولكن رئيس الوزراء العراقي نور المالكي لم تعجبه هذا التسامح، فلم ينفذ توصية بوش للتعامل مع الزيدي، بل عاقبه بالسجن جراء فعله.
ومقارنة مع ما فعله بوش من تسامح مع من اعتدى عليه، نجد أن بعض وزرائنا قد أخذوا في الفترة الأخيرة، يتنافسون في الشكوى أمام المحاكم المدنية، واللجوء إلى قانون الجرائم الإلكترونية، ضد أي مواطن ينتقد تقصيرهم في عملهم الرسمي، باعتباره تعديا على ممتلكاتهم، متجاهلين ما نص عليه القانون من حقوق للمواطنين في نقد عمل المسؤولين إن اعتراه القصور.
وفي هذا المجال، فقد نشرت الدكتورة القانونية نهلا عبد القادر المومني على موقع الغد، مقالا في وقت سابق، بينت به أن عدد الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالذم والقدح، على وسائل التواصل الاجتماعي لعام 2018، بلغ وفقا لتقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان، 1821 قضية، معظمها شكاوى من مسؤولين رسميين ضد مواطنين.
ختاما أقول : هل يمكن للبعض من مسؤولينا في المواقع الرسمية المختلفة، أن يكبروا في أفكارهم وتصرفاتهم، كما كبُر زعيم أكبر دولة في العالم على إهانته، ويتقبلوا النقد الإصلاحي بروح رياضية، ويبتعدون عن التعصب لآرائهم وأعمالهم، باعتبارها منزهة عن الخطأ، وتسمو فوق غيرها من أقوال وأفعال الآخرين . . !
التاريخ : 11 \ 9 \ 2021