ترى، ما هي السعادة ؟! / د. علي المستريحي

ترى، ما هي السعادة ؟!

خرجت يوم أمس للمشي على ضفة المارينا .. لفت انتباهي عامل هندي كان يركن جالسا الى زاوية ويبدو منهكا بعد يوم متعب شاق، ومع هذا كان يضع سماعة الهاتف باذنه ويتحدث وقد عمر الضحك قلبه، فخلته كان يتحدث مع زوجته أو ابنه أو أمه عبر البحار والمسافات الطويلة .. فثار في نفسي السؤال: ترى، ما هي السعادة، وكيف تكون ؟!

هناك من يتمنى أن يكون ذلك “الهندي” البسيط، فلا هم ولا غم ولا حزن ولا قضية ! يعيش يوما بيوم، ويجلس مرتخيا مساء كل يوم كدمية أطفال انتهت صلاحية بطاريتها .. يتحدث لزوجته بالهاتف عبر البحار والمسافات الطويلة عن اشتياقه ولوعته، عن آماله وخططه وأشياء عظيمة تجمعهما، عما صادفه بيومه من مشرف متجبر وزميل غاب عن عمله بسبب الاسهال، وعن مغص بمعدته دام ربع ساعة، وعن أشياء أخرى كثيرة .. كثيرة تافهة .. و .. يضحك !

بالمقابل، كيف ينظر هذا الانسان لمن حوله، لزوج مع زوجته وابن لهما بعربة الاعاقة بحديثهما الودي ونقاشهما الدافئ بمساء رطب؟ ترى، ماذا يدور بذهنه وهو يرقب بعناية دون انتباه، أحد الأثرياء يجلس مع زوجته بالمطعم المقابل وقد ارسل الماء قبسا من الضوء الملون ليجلس متمايلا على الطاولة بينهما، والشغالة تأخذ ابنهما جانبا تشغله كي يستمتع والداه بلحظات سعيدة ؟

مقالات ذات صلة

المفارقة أن هناك من الناس من يتمنى أن يعيش مثل هذا “الهندي” فلا هم ولا غم ولا حزن ولا قضية ! وبالطبع، يتمنى الهندي أن يكون ذلك الماشي وزوجته على ضفة المارينا بمساء رطب وحديث ودي ونقاش دافئ لا ينتهي! يتمنى أن يكون ذلك الثري الجالس وزوجته بالمطعم المقابل وقد تقاسم معها قبسا من الضوء الملون المرسل لهما من ضفة الماء المقابلة ليجلس متمايلا على الطاولة بينهما، والشغالة تأخذ ابنهما جانبا تشغله كي يستمتع هو وزوجته بلحظات سعيدة !

توصلت الى نتيجة: نحن نتمنى أن نكون بسعادة البعض ولكنا بذات الوقت لا نتمنى أن نعيش “كل” واقعهم .. فلا الهندي يقبل أن يكون ثريا بصحة معتلة وزوجة لديها غصة ألم أنها لم تسافر الصيف الماضي لمدينة جولد كوست باستراليا مثل صديقاتها، ولا الغني يرضى أن يعيش كالهندي على الكفاف، يعمل كالعبد لا حول له ولا قوة، يجلس مرتخيا مساء كل يوم كدمية أطفال منهكة .. وجدت أن المحصلة واحدة، وأن الحياة مقسمة بالعدل، وان اختلفت المعطيات وتباينت الظروف !

السعادة مفهوم ذهني لدينا، نرسم حدودها كما نشاء، والرسام عندما يرسم لوحة يضيف إليها كل جميل ويزيل منها كل قبيح .. هو يرسم الواقع كما يشاء هو، لا كما هو الواقع نفسه ! إرض بما قسم الله لك، فحقا، لا يعمر قلب الهندي أو الثري الا قول: الحمد لله على كل حال !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى