
ترامب يتراجع: #العرب يسقطون #مخطط_تهجير #فلسطينيي_غزة
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
في خطوة تعكس هزيمة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته المثيرة للجدل بشأن قطاع غزة، معلنًا أنه لن يفرضها بل سيكتفي بالتوصية بها. هذا التراجع لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل جاء تحت وطأة رفض عربي حاسم، تقوده الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني ومصر، في مواجهة مشروع كان يهدف إلى تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى منطقة سياحية تحت الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
دهشة ترامب من هذا الرفض بدت واضحة في تصريحه: “فوجئت بعدم ترحيب الأردن ومصر بالخطة التي طرحتها بشأن غزة، ونحن نقدم لهما مليارات الدولارات سنويًا”. كلمات تعكس صدمة البيت الأبيض من فشل الرهان على الضغوط الاقتصادية لفرض مشروع يتعارض مع المصالح الوطنية والقومية للدول العربية. الأردن ومصر لم يخضعا للابتزاز المالي، ولم يقبلا بأن يكونا أدوات لتنفيذ مشروع يصادر حقوق الفلسطينيين ويهدد استقرار المنطقة.
المخطط الأمريكي، الذي كان يسعى إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية والسياسية لغزة، لم يكن مجرد فكرة عابرة، بل جزء من نهج أمريكي مستمر لفرض حلول أحادية على قضايا المنطقة. لكن كما فشلت واشنطن سابقًا في مشاريعها الكبرى، من “صفقة القرن” إلى محاولات إعادة تشكيل الأنظمة عبر سياسات “نشر الديمقراطية” و”محاربة الإرهاب”، جاء هذا التراجع ليؤكد مرة أخرى أن الحسابات الأمريكية لا تستطيع تجاوز الإرادة العربية عندما تتوحد.
رفض الأردن ومصر لهذا المشروع لم يكن مجرد موقف سياسي، بل تعبير عن قناعة راسخة بأن أي حل لا يراعي حقوق الفلسطينيين وواقع المنطقة محكوم عليه بالفشل. الأردن، بصفته الحاضن للقضية الفلسطينية والمدافع عن المقدسات، يدرك أن تمرير مثل هذا المخطط سيؤدي إلى تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي والاستقرار الداخلي. ومصر، التي تشكل معبرًا رئيسيًا إلى غزة، تدرك أن تهجير الفلسطينيين يعني فتح باب للفوضى على حدودها، وهو أمر لا يمكن القبول به.
العزلة الدولية التي واجهتها واشنطن بسبب هذه الخطة زادت من تعقيد المشهد، حيث رفضتها الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان. كما أن الموقف الفلسطيني كان صارمًا في رفض أي محاولات لفرض واقع جديد بالقوة، وهو ما جعل من المستحيل تنفيذ المخطط حتى لو واصلت الولايات المتحدة الضغط على حلفائها الإقليميين.
ترامب، الذي اعتاد على استخدام النفوذ المالي لتمرير سياساته، وجد نفسه في مواجهة حقائق لا يمكن تجاوزها. فالقرار السياسي في الدول المستقلة لا يُشترى بالمساعدات، والمواقف الوطنية ليست للبيع والشراء. إدراكه لهذا الواقع، ولو متأخرًا، جعله يتراجع، لأنه يعلم أن الاستمرار في هذا المسار سيؤدي إلى أزمة دبلوماسية جديدة ويهدد مصالح بلاده في المنطقة.
التراجع الأمريكي لم يكن مجرد نتيجة ضغوط خارجية فقط، بل جاء أيضًا تحت تأثير المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة نفسها. النخب السياسية، سواء الديمقراطيون أو حتى بعض الجمهوريين، يدركون أن مثل هذه المشاريع التي تقوم على التهجير القسري والتلاعب بالخرائط الجيوسياسية لا تؤدي إلا إلى مزيد من الصراعات وتعزز صورة أمريكا كدولة لا تحترم مبادئها المعلنة عن الحرية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
ما حدث هو انتصار جديد للإرادة العربية في مواجهة الإملاءات الخارجية. أثبتت الأردن ومصر أن الضغط السياسي والدبلوماسي قادر على إسقاط المشاريع المفروضة، وأن المال الأمريكي لن يكون أبدًا وسيلة لشراء المواقف الوطنية. هذا التراجع، يؤكد أن الشعوب الحرة لا تقايض حقوقها، وأن القضية الفلسطينية ستظل عصية على مشاريع التصفية مهما بلغت الضغوط.