#ترامب مسعّر حـرب..
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️خلال حملته الانتخابية للفوز بمنصب رئيس أمريكا، كان دونالد ترامب يرفع شعارًا أنه في حال فوزه فإنه سينهي كل الحروب الموجودة في العالم خاصة الحرب في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، وأنه لن يسمح بفتح حروب جديدة.
لكن وما أن بدأ ترامب يعلن عن أسماء مرشحين لشغل المناصب المهمة في إدارته الجديدة، حتى بدا واضحًا أن ترامب يشكّل حكومة حرب، بل إن مسؤولين كبارًا قد وصفوها بأنها “إدارة تدمير الولايات المتحدة”. وقد بدا ذلك واضحًا باختيار ترامب لوزير خارجيته “ماركو روبيو” ووزير الدفاع “بيتر هيغست” وسفيرة أمريكا في الأمم المتحدة “إليزا ستيفاني” وسفير أمريكا في إسرائيل “مايك هاكابي” وغيرهم.
✍️إن الوقوف عند شخصية كل واحد من هؤلاء وغيرهم من المرشحين، ليدل بشكل واضح على وجهة ترامب المستقبلية عمومًا ووجهته وسياسته في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية خصوصًا، وأنها ستكون سياسة دموية، وعليه فإننا نقف عند شخصية وزير دفاعه “بيتر هيغست” وسفيره في إسرائيل “مايك هكابي” ورئيس مجلس النواب “مايك جونسون” ليتبين لنا خلال شخصية كل واحد من هؤلاء أنهم متدينون ومتعصبون وعنصريون كارهون للإسلام والمسلمين، وأن وظيفة كل واحد منهم ستكون صبّ مزيد من البنزين على النار المشتعلة في الشرق الأوسط. وصدق الشاعر إذ يقول:
وفي السماء طيور اسمها البجع إن الطيور على أشكالها تقع
🔷 بيتر هيغست وزير الدفاع
✍️ من خلال مفاخرته بأنه لم يغسل يديه منذ 10 سنوات لا بعد الطعام ولا بعد الخروج من الحمام، لأنه لا يؤمن بوجود شيء اسمه الجراثيم، وكل شيء لا يراه فهو بالنسبة له غير موجود. فمن خلال هذه الشخصية المتطرفة والغريبة ندرك أن الغرابة والجنون والارتجالية ستكون هي من تحكم سياساته.
✍️”بيتر هيغست” شخص دموي وهو الذي سبق ترشيح ترامب له لمنصب وزير الدفاع، فإنه في صيف 2024 فقد أصدر كتابًا طالب فيه الرئيس الأمريكي القادم بتغيير اسم وزارة الدفاع ليصبح اسمها وزارة الحرب الأمريكية. وهو الذي رسم ونقش على صدره سيفًا وبندقية رشاشة، وكتب عبارة دينية تُنسب إلى السيد المسيح نبي الله عليه السلام أنه قال: “ما جئت لألقي سلامًا على الأرض بل سيفًا”.
✍️ وأما كراهيته للإسلام والمسلمين والدعوة لحربهم، فقد ظهر ذلك جليًا في كتابه الذي صدر في العام 2022 وكان بعنوان -الحملة الصليبية الأمريكية- وفي الكتاب دعا بشكل واضح للقيام بحملة صليبية لحماية القيم المسيحية واليهودية. وإذا كانت الحملات الصليبية الأولى قد قامت بها دول أوروبا حيث لم تكن أمريكا قد اكتشفت بعد “اكتشفت أمريكا عام 1492” ولم يهاجر إليها ولم يُطرد إليها المجرمون الذين كانت دولهم تريد أن تتخلص منهم، فكانوا يرسلونهم إلى العالم الجديد ليقتلهم المرض والوحوش، ولعل أجداد بيتر هيغست كانوا من هؤلاء، وها هو يدعو لحملات صليبية تقودها أمريكا وليست أوروبا.
✍️بيتر هيغست كان في غاية الوضوح لما قال: “الإسلام ليس دينًا ولم يكن كذلك”. وكيف لا يكون كارهًا للإسلام وهو الذي أظهرت صور كثيرة له وقد جعل جسده لوحة نقش عليها بالوشم صورًا وكلمات تعبّر عن حقيقته، وأنه كان يحاول إخفاءها تحت البدلة وربطة العنق الرسمية الزاهية. على صدره نقش صليبًا كبيرًا وبداخله رسم أربعة صلبان صغيرة وهذا هو شعار الحملات الصليبية وكان يُعرف “بصليب القدس” أي الصليب الذي رُفع خلال حملات تطهير القدس من المسلمين. وليس هذا وحسب، بل إنه كتب على صدره بالوشم وبأحرف عبرية كلمه “ישוע-يشواع” المقصود اليسوع وهي العبارة التي يطلقونها على نبي الله عيسى. واللافت أنه كتب “ישוע-يشواع” ولم يكتب “ישו-يشو” كما يطلق اليهود الوصف على نبي الله عيسى وهي الأحرف لاختصار “يمحى اسمه وذكره”.
✍️ أما موقفه من القضية الفلسطينية فهو في غاية الوضوح والجلاء، حيث قال في العام 2018 ودعا لهدم المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه. وليس أنه فقط دعا كذلك بشكل صريح لتدمير غزة، بل إنه كما أوردت ذلك صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في عددها الذي صدر يوم الخميس 14/11/2024، فقد دعا لإقامة أهرامات وأكوام من الجثث في غزة، حيث كل قناعاته هذه مصدرها عقيدته الدينية حيث يقول: “لو فتحت الإنجيل لوجدت أن الرب يقول لإبراهيم إن أرض إسرائيل ملكك”.
🔷مايك هاكابي: السفير في إسرائيل
✍️إنه سفير أمريكا الجديد في إسرائيل الذي اختاره ترامب. وإذا كان سفراء أمريكا في إسرائيل منذ العام 2010 كلهم يهود، كان آخرهم السفير “جاكوب لو” وقبله كان السفير اليهودي “ديفيد فريدمان” وكذلك وزير الخارجية اليهودي “أنتوني بلينكن، فإن السفير الجديد ليس يهوديًا وإنما هو قسيس ومبشّر إنجيلي معمداني قال عنه ترامب: “هاكابي يحب شعب إسرائيل وشعب إسرائيل يحبه”. ولشدة حبه لإسرائيل وشعبها فإنه يفاخر بأنه زار إسرائيل مئة مرة خلال 50 سنة أي بمعدل زيارتين في كل سنة.
✍️ إن أفكار وقناعات وطروحات السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل مايك هاكابي، هي نفس قناعات بن غفير وسموطريتش، فقد نقلت عنه صحيفة “بولوتيكو” الأمريكية في العام 2017 بعد تسلم رئاسته الأولى وبداية الحديث عن صفقة القرن قوله: “أعتقد أن إسرائيل لديها سند ملكية ليهودا والسامرة”، مستخدمًا المصطلحات العبرية للضفة الغربية. فهو يقول بشكل واضح، أنه لا يوجد شيء في الجغرافيا والتاريخ اسمه الضفة الغربية وإنما هناك ما يسمى يهودا والسامرة. وليس أنه ينكر مصطلح الضفة الغربية، بل إنه ينكر وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وبالتالي فهو يرفض فكرة ما يسمى حلّ الدولتين دولة إسرائيل ودولة فلسطين لأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني حتى تكون له دولة، وأن يهودا والسامرة هي جزء من دولة إسرائيل التي أعطاها الله للشعب اليهودي.
✍️ السفير الأمريكي الجديد في إسرائيل القسيس والمبشّر مايك هاكابي داعم كبير للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وغزة، ولذلك كان موقفه واضحًا وداعمًا للإجلاء القسري والتهجير الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
✍️ إن دعمه للاستيطان هو كذلك من منطلق ديني إنجيلي حيث أوردت صحيفة هآرتس في عددها يوم الجمعة 15/11/2024، أن هاكابي يعمل لدعم الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل التناخية، لأن هذا الاستيطان هو الشرط الضروري لوقوع ملحمة وحرب يأجوج ومأجوج التي هي شرط لعودة ونزول المسيح الذي ينتظره الإنجيليون الأصوليون الأمريكيون حيث أن السفير هاكابي هو من أبرز رموزهم.
✍️ووفق ملحق صحيفة هآرتس الإسرائيلية في التحقيق الذي نشرته يوم 5/1/2024 وكان حول قناعات الإنجيليين من أن حرب غزة ستقرّب نزول المسيح، لأن في قتل الفلسطينيين وطردهم إزالة لعائق تجميع اليهود واستيطانهم في هذه الأرض، وعندها سيتم قتل كل اليهود لأنهم يكفرون بالمسيح ويعتقدون أنهم صلبوه ومات وأنه في جهنم وأن أمه مريم زانية والعياذ بالله تعالى. وأنه لن ينجو من اليهود بعد عودة المسيح إلا 144 ألفًا وهم الذين سيُنَصّرون بينما يُقتل الباقون وتكون طريقهم قصيرة إلى جهنم.
✍️ أما ملحمة يأجوج ومأجوج فيعتقد الأصوليون الإنجيليون أنها ستقع في سهل مجدّو عند الأطراف الجنوبية لسهل بن عامر ويسمونها “هرمجدون” عندما يجتمع اليهود في هذه الأرض فتهاجمهم قوى الشرّ فتبدأ المعركة الكبرى، ولذلك كانت حماستهم كبيرة بعد أحداث السابع من أكتوبر حيث يعتبرون ذلك الحدث مقدمة للملحمة الكبرى هرمجدون وبالتالي قرب نزول المسيح المخلص.
✍️فوجود اليهود وفق نظرية الإنجيليين الصهيونيين في أرض إسرائيل وتجمعهم فيها من أصقاع الأرض، هو ضمان عودة المسيح لأنه لن ينزل إلا في أرض يحكمها اليهود وهذا غير موجود في أي بقعة في الكرة الأرضية إلا في فلسطين، فمن هنا ينبع دعمهم المجنون والخيالي للاستيطان اليهودي ليس حبًا باليهود ولكن لضمان تحقق شرط من شروط عودة ونزول المسيح المخلص الذي ينتظره الأصوليون الإنجيليون.
✍️ ولا زلت أذكر المقابلة التي أجريت مع “إيهود أولمرت” رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يوم كان يشغل منصب رئيس بلدية القدس قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، حيث عاد من جولة جمع تبرعات في ولاية فلوريدا الأمريكية لصالح مشاريع استيطانية في القدس، وكانت تلك الحملة قد نظمتها جماعات وقساوسة من الإنجيليين الأصوليين أمثال السفير “مايك هاكابي” وقد جمع عشرات الملايين من الدولارات. وعند عودته هاجمه شركاؤه في إدارة البلدية من الأحزاب الدينية وعابوا عليه أنه يجمع أموالًا من أصوليين مسيحيين يؤمنون أنه عند نزول المسيح فإنهم سيقتلون كل اليهود الذين لا يتنصّرون، فكان جواب أولمرت مبتسمًا وساخرًا: “سأظل أحلبهم حتى يأتي المسيح”.
🔷 مايك جونسون رئيس مجلس النواب
✍️ في شهر أكتوبر العام الماضي 2023 أي بعد أحداث طوفان الأقصى، انتُخب النائب عن الحزب الجمهوري مايك جونسون رئيسًا لمجلس النواب الأمريكي وهو من الإنجيليين الأصوليين الذين يحملون نفس قناعات المبشّر السفير مايك هاكابي.
✍️”مايك جونسون” اعتبر انتخابه لرئاسة مجلس النواب في نفس فترة اندلاع الحرب على غزة بأنه توقيت رباني وأن دعمه لمواقف إسرائيل بالاستيطان سيكون سببًا لبركة الله على إسرائيل وأمريكا، حتى أنه اعتبر ووصف المحادثات حول وقف الحرب في غزة أنه فضيحة مخزية داعيًا لاستمرار الحرب هناك.
✍️ مايك جونسون ذهب لأبعد من ذلك حيث قال إن الله تعالى يوحي إليه ويكلّمه عن قادم الأيام وضرورة الاستعداد فقال: “أنا لا أريد أن أخيفكم، لكن الله يحدّثني وقد قال لي بوضوح وصراحة عليكم الاستعداد والتجهز، التجهز لأي شيء، لا أدري”.
لا بل إنه ذهب لأبعد من ذلك في تطرفه لجهة انحيازه لاسرائيل ومواقفها قائلًا في نفس التحقيق الذي أوردته صحيفة هآرتس في عددها يوم الجمعه 5/1/2024: “هناك اتصال وخط مفتوح بين الله في السماء وبين مكتبه في الكونجرس وبين הקריה בתל אביב مقر وزارة الحرب الإسرائيلية في تل أبيب”، في إشارة واضحة إلى أن سياساته ومواقفه هي بوحي إلهي وليس مجرد اجتهادات منه.
✍️اختتم تقرير صحيفة هآرتس عن نشوة الإنجيليين الأصوليين في أمريكا بحرب غزة بالقول: “عندما كان ترامب يتقدم على بايدن في استطلاعات الرأي، وعندما كانت المؤشرات تزداد باستمرار الحروب وزيادة حدتها في الشرق الأوسط، كان الانفعال والهيجان المسيحي الإنجيلي يزداد ويعظم”.
✍️ وإذا كانت هذه العبارة قد قيلت قبل يوم الانتخابات في 5/11/2024 والتي أسفرت عن فوز ترامب على كاميلا هاريس، فإن نشوة الأصوليين الإنجيليين ومعهم اليمين الإسرائيلي قد بلغت ذروتها، وكان ذلك واضحًا باختيار ترامب للسفير هاكابي ولوزير الحرب هيغيست اللذيْن يعتبران من أشد حلفاء إسرائيل، حتى أن بعض الكتّاب في أمريكا قد أخذوا يتندّرون بالقول إن ترامب قد شكّل حكومة إسرائيلية في أمريكا، أي أنه اختار فريقه الرئاسي ممن يحرصون على مصالح إسرائيل أكثر من مصالح أمريكا.
✍️لا بل إن الكاتب الصحفي الاسرائيلي “رامي رسمني” قد كتب في صحيفة يديعوت أحرنوت يوم الثلاثاء 19/11/2024 وقال: “يبدو أن يوسف الصديق وأحلامه التي تجاوزت الخيال ولكنها تحققت لم تكن لتصل لأن يحلم بعظمة قائمة أسماء فريق ترامب الذي سيدير العالم”.
✍️وعليه فإن قادم الأيام ولعلها ليست بعيدة، سترينا كيف ستكون سياسة أمريكا داعمة لإسرائيل أكثر مما كانت عليه خلال رئاسة بايدن، وأن نتنياهو وفريقه اليميني الديني سيستغل وجود الفريق الانجيلي الأصولي في إدارة ترامب لتلتقي مصلحة اليمين التوراتي في إسرائيل مع اليمين الإنجيلي في أمريكا وإن كان مؤقتًا على الأقل حتى نزول المسيح وفق قناعات وزير حرب وسفير أمريكا في إسرائيل.
✍️إن مقصد ترامب إذن بالقول إنه سينهي الحروب في الشرق الأوسط ليس عبر فرض حلّ عادل وإعادة الحق لأصحابه، وإنما يقصد أنه سيدعم إسرائيل ويزوّدها بكل ما تريد عسكريًا وماديًا واقتصاديًا وسياسيًا لضمان حسمها المعركة وانتصارها على أعدائها وجعلهم يرفعون الراية البيضاء والقبول بالشروط الإسرائيلية والاستسلام.
✍️ فأمام وبين يدي هذا التصعيد فلن يكون ترامب رجل سلام وإنما سيكون ترامب مسعّر حرب، ولكنها الحرب التي ستكون شرًا ووبالًا عليه وعلى كل حلفائه بإذن الله وتعالى وسيطفئ الله نارهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}َ آية 64 سورة المائدة، وسيتم الله نوره {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} آية 8 سورة الصف. وإن غدًا لناظره قريب.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.