تدخل الصين في سوريا / داود عمر داود

تدخل الصين في سوريا
ضربة إستباقية ضد انتقال عدوى الثورات المسلحة للأقليات المسلمة في الصين

اتسم موقف الصين، في بداية الأزمة السورية، برفض أي تدخل عسكري. وقد استخدمت بكين حق النقض الفيتو مرتين في مجلس الامن، ضد أي قرار مــن شـانــه أن يفـتــح الـطــريق أمام احتمالات التدخل الخارجي. لكن الصين نفسها اتخذت قرارا بالتدخل العسكري في سوريا، بناء على حسابات خاصة بها.
ففي مطلع العام الحالي، 2016، أرسلت الصين 5000 جندي من قوات النخبة، المسماة “نمور سيبيريا”، و”نمور الليل”، الى سوريا لـ “مساعدة روسيا” لمقاتلة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”. وجاء ارسال القوات الخاصة بعد أن أصدر مجلس الشعب الصيني، في شهر كانون أول ديسمبر 2015، أول “قانون لمكافحة الأرهاب”، يفوض الجيش والقوات الخاصة المشاركة في مهمات قتالية “ضد الارهاب”، في الخارج.
تدخل الصين العسكري المباشر في سوريا، كان بسبب شعورها بان أمنها القومي مهدد من “داعش” ومن تركيا، ومخاوفها الداخلية من حركات الاستقلال الاسلامية، وخشيتها من انتقال عدوى الثورات المسلحة إلى الأقليات المسلمة فيها. وترى بكين تدخلها على أنه ضربة استباقية، وتصدي “للارهاب” حول العالم وداخل الصين. والارهاب الداخلي في نظرها يمثله مسلمو اليوغور المطالبين بالاستقلال.
أهمية إقليم شينجيانغ
تنظر الصين الى الأزمة السورية من زاويتها، زاوية نشاطات المجاهدين “اليوغور”، في إقليم شينجيانغ، اقصى غرب الصين، الغني بالموارد الطبيعية، من غاز ونفط وفحم ويورانيوم، والمهم صناعيا، بوجود صناعات الصلب والحديد فيه، والغزل والنسيج والتعدين والبتروكيماويات، والمهم زراعيا، من حيث المحاصيل والثروة الحيوانية الضخمة. والاقليم مهم عسكريا أيضا، حيث تنصب فيه بكين غالبية صواريخها النووية العابرة للقارات. وهو إقليم شاسع توازي مساحته مساحة مصر مرة ونصف، وتساوي سدس مساحة الصين، ويقطنه ثلاثون مليون نسمة.
الاحتلال والمطالبة بالاستقلال
تتشكل الصين من 56 عرقا، واليوغور هم أحد هذه الأعراق، وهم من أصول تركية. وقد دخلوا الأسلام في القرن العاشر الميلادي، وأسسوا دولة بقيت قائمة لعشرة قرون، إلى أن استولى عليها الشيوعيون عام 1949، بقيادة ماو تسي تونغ، فقُتل منهم مليون انسان، وجرى الغاء استقلال إقليمهم وضمه ماو الى الصين.
تعرض اليوغور تاريخيا للاضطهاد والقتل على يد الصين، وما زالوا يتعرضون لشتى أصناف التضييق في عباداتهم، من صلاة وصيام، وهدم المساجد، ومنع المدارس، للحيلولة دون إظهار هويتهم الاسلامية. وفي ظل هذه الاوضاع، فقد قامت حركات اسلامية، أبرزها “حركة شرق تركستان الاسلامية”، تسعى للانفصال عن الصين لإقامة دولة “يوغورية” اسلامية خاصة بهم في مقاطعة شينجيانغ.
وفي اواخر عام 1992، عُقد قي اسطنبول، برعاية تركية، “المؤتمر الوطني لنواب تركستان الشرقية”، حضره زعماء أكثر من 30 منظمة وحركة تسعى للاستقلال. وفي العالم التالي 1993، عادوا للاجتماع واعلنوا من اسطنبول تشكيل حكومة في المنفى. ثم في شهر أكتوبر 1996، عقدت 10 حركات انفصالية اجتماعا اتفقوا خلاله على تأسيس “حزب الله الاسلامي”، في مسعى لتوحيد جهود مسلمي الصين، المطالبين بالاستقلال، وتدويل قضيتهم. وقد تبنت الدول الغربية قضية اليوغور. وفي عام 1999 عقد الكونغرس الامريكي جلسات استماع حول هذه القضية، كما وجه تقرير أوضاع حقوق الانسان التهم لحكومة الصين نظرا لسياستها في اقليم شينجيانغ. ويحفل تاريخ الاقليم بثورات اليوغور ضد هيمنة الصين، كان آخرها سلسلة انتفاضات عنيفة وقعت عام 1997، سعيا وراء تحقيق حلم الاستقلال.
يقاتل الان المئات، إن لم يكن الآلاف، من مسلمي الصين، “اليوغور”، في صفوف “داعش”، وتنظيمات اسلامية اخرى معارضة للحكومة السورية. وقد تلقى هؤلاء المقاتلون “اليوغور” مساعدة من تركيا، للانتقال من الصين الى سوريا عبر تركيا. وتسبب هذا بتوتر شديد بين الأجهزة الامنية في الصين وتركيا. وتعبر الحكومة الصينية عن قلقها من ان دور تركيا في دعم مقاتلي “اليوغور” في سوريا ربما يتمدد في المستقبل لدعم أجندة أنقرة في مقاطعة شينجيانغ.
الخلاصة
هذا الصراع الخفي المتنامي بين الصين وتركيا يأخذ أبعادا دولية. فقد حذر رجل الاعمال والاقتصادي الأمريكي جورج سوروس، اواخر العام الماضي 2015، من أن الصين ربما ستستغل الصراع في سوريا للتغطية على مشاكلها الاقتصادية وقال “إذا ما جرى تصعيد الصراع الخارجي الى مواجهة عسكرية مع حليف للولايات المتحدة الأمريكية، مثل تركيا أو اليابان، فانه ليس من المبالغة القول اننا سنكون على شفير حرب عالمية ثالثة”.
والخلاصة إذن، أن احتلال بلاد اليوغور المسلمين، واضطهادهم، وعدم منحهم الاستقلال، سيُبقي قضيتهم شوكة في حلق بكين، خاصة أنهم يلقون رعاية تركيا، ودعم دول كبرى، ربما تستغل هذه القضية في يوم من الأيام، للسعي إلى تفكيك الصين، مثلما جرى تفكيك امبرطوريات كبرى في القرن العشرين، كان آخرها “امبراطورية الشر” التي تمثلت بالاتحاد السوفياتي.
داود عمر داود / إعلامي
daoud@shorouq.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى