تخريب الوطن من الداخل بنية حسنة . . !

#تخريب_الوطن من الداخل بنية حسنة . . !

#موسى_العدوان

خير مثال لما ما أهدف إليه في هذا المقال، هو ما جاء في القصة التالية أيام عنفوان الاتحاد السوفيتي في أواسط القرن الماضي. يقول نيكيتا خروتشوف عضو الحزب الشيوعي السوفيتي، اتصل بي الرفيق ستالين وقال لي : تعال إلى مكتبي بسرعة يا نيكيتا . . هناك مؤامرة كبيرة على بلادنا.

ولما وصلتُ وجدتُ لديه مجموعة من الوزراء، فقال لي ستالين : يا رفيق نيكيتا لدينا مصنع للإطارات (دواليب سيارات)، وهذا المصنع هو هدية من شركة فورد الأمريكية، ينتج الإطارات منذ سنوات بشكل جيد. ولكن فجأة ومنذ ستة أشهر، بدأ هذا المصنع بإنتاج دواليب تنفجر بعد بضع كيلومترات، ولم يعرف أحد لماذا يحدث ذلك. أريدك أن تذهب إلى المصنع فورا وتكتشف السبب في هذا الخلل.

مقالات ذات صلة

وحال وصولي إلى المصنع باشرتُ التحقيق فورا، وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل البناية، حيث توضع صور أفضل العمال والإداريين، الذين عملوا بجد ونشاط خلال آخر شهر. وبدأتُ التحقيقات مباشرة من أعلى مستويات الإدارة حتى أصغر عامل. ولكن لم أحد يعرف أسباب انفجار الإطارات. فقررتُ النوم في المصنع، حتى أتوصل إلى حل هذا اللغز. فأنا لم أفشل في أية مهمة في حياتي العملية والسياسية، فما بالك إذا كان هذا التكليف صادر من قبل ستالين.

استيقظتُ في الصباح الباكر ووقفتُ في أول خط الإنتاج، وقمتُ بمتابعة أحد الإطارات (الدولاب)، ومشيتُ معه من نقطة الصفر حتى خروجه من خط الإنتاج، وقد أُصبتُ بإحباط شديد. لقد سارت عملية التصنيع بشكل طبيعي وكل شيء سار بمساره الصحيح وبصورة متقنة.

طلبت تركيب الإطار على إحدى العجلات الأمامية لسيارة ركبتُ فيها، وطلبتُ من السائق السير بسرعة متوسطة. ولكن الإطار انفجر بعد بضع كيلو مترات من المسير.

قمتُ فورا بجمع المهندسين والعمال والإداريين، وأحضرتُ المخططات وقمتُ بالاتصال بالمهندسين الأمريكيين لأستفسر منهم عن الخطأ، ولكني لم أصل إلى حل. ثم قمتُ بالإشراف على تحليل المواد الخام المستخدمة في صناعة ذلك الإطار.

فأثبتت التحاليل أن المواد المستخدمة في صنعه ممتازة جدا، وليست هي السبب أبدا في انفجار الإطارات. لقد أصابني الإحباط وأحسستُ بالعجز، وكان الهاجس الأكبر كيف أستطيع مقابلة ستالين دون أن أجد حلا لهذه المشكلة، التي ارتبط حلها بمستقبل حياتي ومستقبلي السياسي؟

وبينما كنت أمشي في المصنع، لفت نظري حائط الأبطال وصورهم المنشورة، إذ كان على قائمة صورهم، صورة أحد المهندسين وهو يتربع على رأس هذه القائمة منذ ستة أشهر، أي منذ بدأت الانفجارات بهذه الإطارات دون معرفة السبب.

لم أستطع النوم في تلك الليلة، وقمتُ باستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي صباح اليوم التالي، وقلتُ له أرجوك اشرح لي يا رفيق، كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية ؟ فقال لي لقد استطعتُ أن أوفر الملايين من الروبلات للمصنع والدولة. فقلتُ له وكيف استطعت أن تفعل ذلك ؟ فأجابني ببساطة:

” قمتُ بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار، بناء على توصية من المهندسين الأمريكان، وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا . . ! “.

هنا أصابتني سعادة كبيرة . . فقد عرفتُ حل اللغز أخيرا ولم أصبر على ذلك، فقد اتصلتُ بستالين فورا وشرحتُ له ما حدث. وبعد دقيقة صمت قال لي بالحرف الواحد : والآن أين دفنت جثة هذا الغبي؟ فأجبتُه وأنا خائف إنني في الواقع لم أعدمه، بل سأرسله إلى سيبيريا، لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج، رفعت صورته كبطل قومي في مدخل المصنع لستة أشهر. . ! انتهى.

* * *

التعليق :

أعداء الوطن الذين يخرّبون اقتصاد الوطن، والذين يفسدون في مختلف مفاصله، ليسوا هم من يحاربوننا من الخارج، بل هم أصحاب النوايا الخبيثة، الذين ينفذون داخليا تعاليم الأعداء الخارجيين. ومنهم أصحاب الملامس الناعمة، والوجوه الباسمة، والكلام الجميل عن المستقبل الزاهر، فيهبطون علينا بالبراشوت، ليمارسوا في مؤسساتنا أبشع صور التخلف وتدمير الاقتصاد، تحت غطاء التطور وتحسين ظروف المعيشة. ولكنهم لم يقدموا شيئا نافعا للوطن والمواطن طيلة العقود الماضية.

هل يعقل أن دولة تجاوز عمرها المئة عام، ما زالت تعتمد على تلقي المساعدات والهبات من دول العالم، لكي تحافظ على بقائها في هذا العالم الذي لا يرحم الدول الضعيفة ؟ ولم تستطع على سبيل المثال، إقامة مصنع أقلام، بل تستوردها من الهند أو من دول غيرها ؟ والابلغ من ذلك . . أنها تسلّم شريان حياتها من الماء والغاز لعدو لا يؤتمن، ثم ترهن قواعدها العسكرية مجانا لقوات أجنبية ؟

هناك دول في جنوب شرق آسيا وفي شمال أفريقيا، عمرها أقل من عمر دولتنا، وتحررت من الاستعمار بعدنا بعقود، ومصادر الثروات الطبيعية لديها أقل مما لدينا، وعانت من حروب أهلية بين مواطنيها حرقت الأخضر واليابس، ولكنها لملمت جراحها وبنت نفسها، وأصبحت في طليعة الدول الصناعية المتقدمة، بفضل قادتها المخلصين، والحريصين على مصالح شعوبها.

بينما بقينا نحن في ذيل الدول المتخلفة، نعاني من ظروف اقتصادية بائسة، وبطالة عامة، وشح في المياه، وضرائب عالية، بفضل سياسات جامدة، استوردها بعض جهابذة الاقتصاد لدينا من الخارج وأساؤوا استخدامها، ثم جعلوا مصالح الوطن في آخر اهتماماتهم . . !

التاريخ : 2 / 11 / 2024

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى