تحية للمنفصلين قبل حفل الزفاف بيوم!
كنت أتذمر من شبابنا هذه الأيام وأتهمهم بالدلع وعدم النضوج وذلك مع تزايد حوادث الانفصال بين الخاطبين قبل حفل العرس بيوم أو يومين! ولكن لو نظرنا لهذه الظاهرة التي انتشرت سريعاً بشكل إيجابي عقلاني لوجدنا الخير الكثير، فبدلاً من تسجيل حالات طلاق لزيجات فاشلة في سنة أولى زواج فليكن الانفصال هادئاً أثناء خطوبة يُفترض أنها وُجدت ليتعرف المقبلين على الزواج على بعضهم جيداً قبل خوض مغامرة الإرتباط الأبدية، سيقول أحدهم لماذا لم ينفصلوا خلال سنة الخطبة الطويلة ما هذا القرار الفجائي بفركشة حفل الزفاف مع أنَّ موعده صار قريباً؟ وهنا سأجيب: أنَّ اقتراب موعد الزواج وعلى الرغم من حجز صالة وسيارة مزينة وتوزيع بطاقات الدعوة قد يخلق خوفاً وتوتراً عظيماً في نفوس المقبلين على الزواج، يبدأ الواحد فيهم بعملية جردٍ شاملة لكل أيام الخطبة، يضع في ميزان حسنات شريكه وسيئاته، يفكّر جدياً في إمكانية التعايش معه وتقبل عيوبه وهفواته، وأثناء هذا التفكير العميق بجدوى اتخاذ خطوة الزواج أو لا، تظهر للعلن قرارات مصيرية صادمة، بأن يختار الشاب أو الفتاة عدم الاستمرار في هذا الإرتباط حتى لو كان ثمن الانفصال باهظاً؛ وكأنه يسنفر بحياته قبل فوات الأوان!
أفكار سلبية لدينا جميعاً عن الخطبة الطويلة إذ يعتبرها البعض حكي فاضي ومضيعة للوقت، مع أنني وخلال وقوفي على أسباب حالات الانفصال قبل حفل الزفاف بيومين لقصص كثيرة رأيت أن الخطبة الطويلة كشفت الستار عن الطباع المستترة خلف قناع مزيّف، ووضعت في الكثير من المواقف حدّاً للتمثيل الذي ينتهجه بعض الخاطبين، فقدرة البشر على إخفاء صفاتهم السيئة خلال أيام الخطبة الطويلة صعب للغاية، نادرون أولئك الذين ينجحون في اجتياز اختبار أيام الخطوبة دون عرقلات وفضحٍ لوجوههم الحقيقية!
لذلك تحية لأولئك المنفصلين قبل حفل الزفاف بيوم، لأولئك الأقوياء الذين لا يبالون بعبارات الاستنكار أو اللوم، لأولئك الشجعان الحكماء من أدركوا في وقتٍ متأخر أن الزواج ليس لعبة، وأن إمكانية التعايش مع شخصية أنانية ومتعبة، ضربٌ من المستحيل والمهام الصعبة، تحية لأولئك الذين لم يجلبوا للدنيا أطفالاً ابرياء ثم يقرروا بعدها الانفصال، ليتركوهم ضحايا لزواجٍ فاشلٍ وسوء اختيار، تحية لأولئك الذين لم يبالوا بتوزيع بطاقات الدعوة، وهربوا من مشنقة ارتباطٍ مسمومٍ بكل عزمٍ وقوة، تحية لأولئك الذين لم يسمعوا لكلام العجائز بأن الشريك سيتغير بعد الزواج، ولم يقعوا فريسة لمخالبه وطبعه سيء المزاج، تحية لأولئك المؤمنين أنَّ الله سيختار لأجل قلوبهم الأفضل، فلم يساوموا ولم يتنازلوا عن كرامتهم ووجدوا في الرجوع عن قرار الزواج الحل الأمثل…..